Posted by : مجالي البوق الأحد، 28 يونيو 2015



الحمدلله على كل حال، ونعوذ بالله من حال أهل الضلال، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى سائر الصحب والآل، وبعد:


فقد استمعت إلى الكلمة التي ألقاها المتحدث الرسمي لجماعة الدولة ( أبو محمد العدناني ) بعنوان " يا قومنا أجيبوا داعي الله"، والتي أذيعت في الخامس من رمضان لهذا العام 1436هـ، وكان مما جاء فيها قوله في الدقيقة ( 15:29 ):


 " تذكر أيها المفتون قبل أن تقدم على قتالها أنَّه لا يوجد على وجه الأرض بقعة يطبق فيها شرع الله، والحكم فيها كله لله سوى أراضي الدولة الإسلامية.
 تذكر أنَّك إن استطعت أن تأخذ شبرًا أو قرية أو مدينة سيُستبدل فيها حكم الله بحكم البشر، ثمَّ اسأل نفسك: ما حكم من يستبدل أو يتسبب باستبدال حكم الله بحكم البشر؟
نعم, إنَّك تكفر بذلك, فاحذر فإنك بقتال الدولة الإسلامية تقع بالكفر من حيث تدري أو لا تدري".اهـ.


ولنا مع هذا الكلام وقفات:


الوقفة الأولى:

إنه ليتضِّح من هذا الكلام أن العدناني قد حكم بتكفير من يقاتل جماعة الدولة، وهذا حكمٌ صادر عن بشر، وإذا لم يكن عليه دليل؛ فهذا يعني أن العدناني يقرر حكمًا بشريًّا عاريًا عن الدليل، وإننا نطالبه ونطالب كل من يتابعه ويؤيده في حكمه هذا بالدليل من كتاب الله أو سنة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أو إجماع المسلمين.
وأين نجد في كتاب الله أو في سنة رسوله- صلى الله عليه وسلم- أن من فعل فعلاً ( ليس بكفر ) ثم ترتب على هذا الفعل كفر فإنه يكفر بارتكاب هذا الفعل؟!
إن مسائل التكفير مسائل عظيمة لا بد أن تستند إلى أدلة واضحة صريحة من كتاب الله، أو سنة رسوله- صلى الله عليه وسلم-، أو إجماع المسلمين، والعدناني هنا لم يذكر لنا دليلاً واحدًا يدل على ذلك.




الوقفة الثانية:

إن العدناني بنى حكمه على مقدِّمتين ونتيجة:

المقدِّمة الأولى:  أنه لا يوجد أرض تُحكَم بشرع الله، والحكم فيها لله سوى أراضي جماعة الدولة.
المقدمة الثانية:  أن انتزاع أي شبر أو قرية أو مدينة من أراضيها سيؤدي إلى أن تُحكَم بحكم البشر، وهذا كفر.
النتيجة: أن من قاتلها يكفر؛ لأنه بقتالها تسبب في إحلال الكفر مكان الشرع في الأراضي التي كانت تحكمها.

إن هذا الكلام لا يُعَدُّ دليلاً يستند إليه المسلم في استباحة دماء المسلمين والحكم عليهم بالكفر والرِّدة، وهذه الطريقة التي سلكها العدناني في تكفير من يقاتل جماعته تُعرَف عند أهل العلم بــ (التكفير بالمآل)، ومثلها ( التكفير باللازم )، أي: بلازم القول أو لازم الفعل، وهو مسلكٌ باطلٌ مرجوح، والمحقِّقون من أهل العلم من أهل السنة والجماعة لا يرتضونه، ولا يقولون به.





الوقفة الثالثة:

إن مما يبين عدم صحة هذا المسلك الذي سلكه العدناني في التكفير المثال التالي:

يقول الله- تعالى- : " وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ" الأنعام: 108، فهذه الآية ينهى الله فيها عن فعل- وهو سبُّ آلهة المشركين-؛ وذلك لأن هذا الفعل قد يترتب عليه سب الله- وهو كفر-، فهل يكفر المسلم إذا خالف هذا النهي عن هذا الفعل وقام بسبِّ آلهة المشركين، ثم ترتب على فعله هذا أنّ المشركين قاموا بسب الله تعالى- وهو كفر عظيم بلا شك-؟

إنك إذا قرأت ما كتبه أهل العلم من المفسِّرين والفقهاء حول هذه الآية لا تجد أحدًا منهم يقول إنه يكفر لأنه تسبب في وقوع الكفر، بل يقولون إنه ارتكب أمرًا محرّمًا، وهو عاصٍ بذلك، فإذا اتضح لك هذا المثال؛ علمت أنه لا يلزم تكفير شخص فعل فعلاً ترتب عليه وقوع الكفر.





الوقفة الرابعة:

ومما يدل على بطلان هذا المسلك كذلك أننا لو أردنا أن نطرد هذه القاعدة التي ذكرها العدناني في تكفير من يقاتل جماعته بدعوى أن ذلك يفضي إلى الاستيلاء على أراضيها، وحكمِها بغير الشرع-وهو من الكفر-، فإننا نسأل ونقول: هل ما فعله أسامة بن لادن- رحمه الله تعالى- بأمريكا في أحداث الحادي عشر من سبتمبر وتسبب في أن تحتل أمريكا أفغانستان وتقضي على حكم الطالبان الذين كانوا يحكمون بشريعة الله على أرضهم- ولا يخفى كلام ابن لادن عنهم وبيعته لأميرهم الملا عمر- فتسبب في أن يحل شرع البشر مكان شرع الله وأن تُستبدل شريعة الله بالقوانين الوضعية، هل نقول إن فعله كان كفرًا؟!

تأمل قول العدناني: "  ثمَّ اسأل نفسك: ما حكم من يستبدل أو يتسبب باستبدال حكم الله بحكم البشر؟"  فإنه جعل مناط التكفير أن من فعل فعلاً أدى إلى استبدال شرع الله بشرع البشر أو تسبب في ذلك فإنه يكفر حيث قال: " نعم، إنَّك تكفر بذلك"،  فلم يفرِّق بين أن يكون الفاعل الذي تسبّب في ذلك قاصدًا إلى هذا الفعل أو غير قاصد له، ولم يفرِّق كذلك بين أن يكون أصل عمله مأذونًا فيه شرعًا ثم ترتّب عليه إحلال الكفر بحكم البشر، وبين أن الفعل لم يكن مأذونًا فيه شرعًا.

إنهم- أعني العدناني وجماعته- إذا التزموا هذا وطردوه؛ فقد حكموا على مؤسِّس القاعدة- الذين يزعمون أنهم أتباعه- حكموا عليه وعلى أنفسهم بالكفر، ولا أظن أن عاقلاً منهم يلتزم هذا ويطرده في هذه المسألة، وإذا لم يفعلوا؛ فقد تناقضوا، وهذا التناقض مما يدلك على بطلان هذا المسلك الذي سلكوه.




الوقفة الخامسة:


إن ما سبق قد كان كله على أننا نسلِّم بما قاله العدناني من ادعائه الحكم بالشريعة، وأنه إذا انتُزِعت أراضٍ من أراضيهم فإنها ستُحكَم بالكفر، غير أننا نمنع ذلك، ولا نسلم به، ونقول:

إن القول بأنكم تحكمون بشرع الله في الأرض التي تحكمونها أمرٌ يُكذِّبه الواقع؛ وذلك أنك أيها العدناني ومن قبلك أميرك البغدادي تطالبون الناس بالرجوع إلى أراضيكم، وهنا نتساءل: لماذا خرجوا من أراضيكم التي تحكمونها لو كانت محكومة بالشرع وكان العدل ظاهرًا فيها؟!
لماذا يفرِّون إلى أراضٍ أخرى يتعرّضون فيها للسلب والنهب والقتل واغتصاب نسائهم من قبل الرافضة؟
هل يُعقَل أن يتركوا الأمن والأمان والعدل والشرع في أراضيكم ويذهبوا إلى جحيم الرافضة؟!! هذا محال.

أما القول بأن قتالكم سيؤدي إلى انتزاع أراضٍ منكم، وأن هذه الأراضي سيحل فيها الحكم البشري مكان حكم الله، فنقول فيه: إن هناك من الفصائل التي تقاتلونها وتقاتلكم من يعلن أنه سيقيم حكم الله في الأرض التي يستولي عليها، ولا نستطيع نحن ولا أنتم أن نرجم بالغيب وندعي أنهم لن يحكموا بشرع الله؛ فنحن ننتظر التمكين لهم أولاً، ثم حكمهم بالشرع ثانيًا، وأما قبل ذلك فكيف يسوغ إطلاق مثل هذا الحكم؟ هل هذا إلا تزكية ظاهرة لأنفسكم وقدح- لا يخفى- في خصومكم تعدّى حدود الواقع إلى الحكم على ما في الغيب والمستقبل؟
إنه إذا انتقضت مقدِّمتكم الأولى، ومقدمتكم الثانية؛ فلا شك أن النتيجة المترتِّبة عليهما قد انتقضت أيضًا.





الوقفة السادسة:


إنّ العدناني- بإطلاق هذا الحكم بتكفير من يقاتل جماعته- قد أعطى مستندًا واضحًا بيِّنًا لمن يقول إن جماعة الدولة تحمل فكر الخوارج- وخاصة عند القادة منهم-؛ وذلك لأن أهل العلم مجمعون على أن قتال المسلم للمسلم هو من المعاصي، ومن كبائر الذنوب، والعدناني هنا يقرِّر أن قتال جماعته كفر يخرج من الملة، وهذا فيه تكفير لفاعل كبيرة من الكبائر، وهو عين مذهب الخوارج الذين يكفِّر بعض فرقهم مرتكب الكبيرة.

 وجماعة الدولة هاهنا كفّروا مرتكب كبيرة، وهذا  أصبح لونًا جديدًا من معتقدات الخوارج؛ فمنهم من يكفِّر مرتكب الكبيرة- أي كبيرة-، ومنهم من لا يكفِّر مرتكب الكبيرة، ومنهم  من يكفّر مرتكب كبيرة واحدة ألا وهي كبيرة قتال جماعة الدولة!




الوقفة السابعة:


لم يكن العدناني بحاجة إلى إعلان هذا التكفير؛ فقد كان هذا التكفير واقعًا ملموسًا على الأرض، وربما كانت بعض مقاطع الفيديو الموجودة على اليوتيوب تحمل تأكيدًا على ذلك؛ حيث كان يظهر بعض جنود جماعة الدولة فيها ويصرِّحون بتكفير بعض الجماعات التي يقاتلونها وتقاتلهم، ولا يُقال إن هذا تصرف فردي لا يُنسَب إلى الجماعة؛ لأن الرضا والسكوت عن مثل ذلك، وعدم زجر الأتباع عنه، وعدم إصدار بيانات تنفيه، هذا كله يشعِر بالموافقة والتأييد لذلك التكفير، هذا عدا ما بلغنا من طريق الثقات- الذين كانوا معهم، ثم خرجوا عنهم- من سماعهم عبارات التكفير الصريحة الواضحة، وعدم قبول المناقشة في ذلك.

أقول: لم يكن العدناني بحاجة إلى إعلان هذا التكفير، ولكن لماذا أعلنه؟ ألم يكن كافيًا رميهم الجماعات المقاتلة لهم بالعمالة وبأنهم صحوات، وغير ذلك مما هو في حقيقته حكم بالتكفير والردة؟

في ظنِّي أن العدناني إنما لجأ إلى سيف التكفير؛ لأن الخوف بدأ ينتابهم من أن تتقلص أراضيهم، الأمر الذي سيؤدي في نهاية المطاف إلى زوال دولتهم وخلافتهم التي أعلنوها.
وفي ظني كذلك أن بعض الأتباع والجنود منهم بدأوا يتفطّنون إلى أن مسوِّغات التكفير التي تطلقها جماعتهم على الآخرين هي مسوِّغات غير صحيحة أو غير كافية للحكم بالكفر والرِّدة عليهم؛ فاحتاج العدناني إلى أن يأتي بمسوِّغ جديد يُقنِع به جنودهم وأتباعهم حتى لا يخرجوا عنهم، أو يترددوا في الانصياع لأوامرهم، ولذلك أعلن هذا الحكم بالتكفير المستنِد إلى مسلك التكفير بالمآل، وإلا فإن المخالفين المقاتلين لهم لن يرهبهم استعمالهم لسيف التكفير؛ فهم يعلمون بتكفيرهم لهم من قبل هذه الكلمة، ويعلمون أنهم ليسوا أصحاب فقه أو علم حتى يقبلوا ما يصدر عنهم من أقوال وأحكام، كيف وأفعالهم المنشورة المنتشرة على اليوتيوب تعكس صورة واضحة على جهلهم بالشريعة؟!





الوقفة الثامنة:


كان العدناني قد باهل على نفي أمور نسبها إليهم خصومهم الذين كان منهم أبو عبد الله الشامي، منها أن جماعة الدولة تكفِّر بالمآلات واللوازم، ومنها كذلك أنهم يكفِّرون من يقاتلهم، فباهل العدناني أبا عبد الله الشامي على نفي هذه الأمور عن جماعة الدولة، ودعا بأن تكون لعنة الله على الكاذب منهما، وفي هذه الكلمة " يا قومنا أجيبوا داعي الله" ظهر صحة ما كان يدّعيه الخصم أبو عبد الله الشامي الذي باهل على صحة ما ادّعاه من أن جماعة الدولة تكفِّر بالمآلات واللوازم، وتكفِّر من يقاتلها، وتبيّن بهذا من الكاذب منهما، ومن الذي ستحل عليه لعنة الله؛ ولهذا فإني أدعو من يقرأ كلامي هذا إلى مراجعة سماع كلمة العدناني التي بعنوان : " ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين"، وكذلك سماع مباهلة أبي عبد الله الشامي، وسماع الشهادات التي أذاعوها فيما يتعلق بجماعة الدولة من أفعال قاموا بها واقترفوها، ومما كانوا عليه من منهج ومُعتَقد؛ ليعيد سماعها بعد أن ظهر له أن العدناني لم يكن صادقًا في نفي هذه الأمور، فإنه قد أعلنها الآن- بكل وضوح وصراحة-.





الوقفة التاسعة:


ذكرت فيما سبق أن من أسباب إعلان الحكم بالتكفير على من يقاتل جماعة الدولة- فيما يظهر لي- الخوف على الأرض وذهابها، وهذا يعني الخوف على ذهاب الملك والسلطان؛ ممّا يصدِّق قول من وصفهم بأنهم طلاب حكم ورئاسة، و ممّا يعني أيضًا أنهم قد يأتون بما يخالفون به الشريعة للحفاظ على هذا الملك والسلطان- حتى وإن أدى هذا إلى تقرير أحكام بشرية وضعية ليس عليها دليل لا من كتاب ولا من سنة ولا من إجماع-، فأي فرق بينهم وبين غيرهم من الحكام- الذين يصفونهم بأنهم طواغيت- ما داموا قد شاركوهم وشابهوهم في تشريع أحكام ليست من دين الله؟!

وما دامت هذه سيرتهم وهذه طريقتهم؛ فانتظروا مزيدًا من الكذب والضلال في قادم الأيام.



هذا وأسأل الله أن ينفع بهذا المقال كل من بلغه، وأن يُبَصِّر به إخواننا الذين دفعهم الحماس والعاطفة الجياشة والسعي وراء تحقيق حلم الخلافة إلى أن ينضموا إلى جماعة الدولة؛ فيحذروا وينتبهوا إلى هذه المغالطات العقدية الكبيرة، ولا تأخذَهم الحمية والعصبية لهذه الجماعة فيقلِّدونها في كل شيء- حقًّا كان أو باطلاً، دلّ عليه الدليل أو لم يدل-، وتكونَ موالاتهم ومعاداتهم لله وفي الله " ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئًا"، " إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله"، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم، والحمدلله رب العالمين.



قاله وأملاه: أبو عبد الله، مجالي بن محمد البوق.
الأحد 11/ 9/ 1436هـ، الموافق: 28/ 6/ 2015

Leave a Reply

Subscribe to Posts | Subscribe to Comments

- Copyright © مجالي البوق - Skyblue - Powered by Blogger - Designed by Johanes Djogan -