Posted by : مجالي البوق الجمعة، 11 أبريل 2014






الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد:

فقد شاع في الآونة الأخيرة وانتشر كلامٌ حول استعمال الملح وتأثيره على الجن والشياطين ولتوضيح هذه المسألة أقول مستمدًا من الله العون:

إن الملح من الأمور النافعة المباحة، وقد ثبت تأثيره في الرقية، وكذلك تأثيره على الجانّ، فيُستخدم الماء والملح شربًا واغتسالاً ورشًّا، ويكفي في ثبوت جواز استخدامه دلالة التجربة والحس على هذا الأمر؛ لأن مسائل العلاج والرقى ليست من الأمور التوقيفية، ولا تدخل في باب البدع، ويدل لذلك عموم قوله - عليه الصلاة والسلام - في حديث عوف بن مالك عند مسلم: "لا بأس بالرقى ما لم تكن شركًا".
وعلى هذا, يجوز استخدام الملح وكل مباحٍ ثبت نفعه بالحس والتجربة، وكنت قد سألتُ الشيخ عبد الله بن جبرين - رحمه الله - عن استخدام الماء والملح في الرقية شربًا واغتسالاً ورشًّا فأجاب بجواز ذلك، وعلى هذا، فإن من الغلط ما نُشِر في بعض المواقع أو تناقَلَه الناس عن طريق وسائل الاتصال المتنوعة من أن استخدام الملح في مواضيع العلاج والرقية وما يتصل بها من أمور الجن والعين والحسد يُعَد من الشرك، وأن هذا السبب وهذه الوسيلة لم يدل عليها شرعٌ ولا قدر، وبالتالي فإن جعلها سببًا لعلاج العين وإيذاء الشياطين يكون من باب الشرك الأصغر، فأقول:

أما دلالة القدر - والمقصود به الحس والتجربة هنا -، فقد ثبت عندي وعند غيري من المتخصصين في الرقية فعالية العلاج بالملح في أمور العين والمس والسحر وإيذاء الشياطين وحرقهم، وأما من حيث الشرع، فقد ذكر ابن القيم - رحمه الله - في كتابه زاد المعاد ما يدل على أثر الملح في الرقية، حيث قال - رحمه الله -:

روى ابنُ أَبِي شَيْبَة فِي "مُسنَده"، من حديث عبد الله بن مسعود قال: «بيْنا رسُولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يصلي، إذْ سجد فلدغتْه عقربٌ في أُصْبُعِه فانصرف رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - وقال: "لعن الله العقربَ ما تدَع نبيًا ولا غيْره"، قال: ثم دعا بإِناءٍ فيه ماءٌ وملحٌ فجعل يضع موضع اللدغة في الماء والملح، ويقرأ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1] والمعوذتين حتى سكنَتْ» . اهـ.

ثم ذكر كلامًا طويلاً في شرح الإخلاص والمعوذتين، وذكر كذلك بعض أسرار وفوائد الملح, وقد ذكر عبد الملك الألبيري القرطبي في كتابه (مختصر في الطب) العلاج بالأغذية والأعشاب في بلاد المغرب في باب ما جاء في السحر وعلاجه صفحة 76 ما نصه:

" وعن محمد بن المنكدر أن امرأة قالت لعائشة يا أم المؤمنين هل علي من جناح أقيد جملي فقالت اخرجوا عني الساحرة ثم أمرت بمكانها فصب عليه ماء وملح قال عبد الملك تعني بقولها أقيد جملي أن تسحر زوجها وكانت عائشة تأمر بدفن الأظفار والشعر ودم المحاجم مخافة أن يسحر فيه ".

وقد أورد هذا الأثر العلامة اللالكائي في كتابه (شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة), الجزء:7 -صفحة:1288 , الأثر رقم (2278) بلفظٍ آخر حيثُ قال:

"حدثنا محمد بن عثمان قال : حدثنا سعيد بن محمد الحناط قال : حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل قال : سمعت سفيان يذكر عن سليمان بن أمية – شيخ من ثقيف من ولد عروة بن مسعود – دخل على عائشة سمع أمه وجدته : سمع امرأة تسأل عائشة هل علي جناح أن أزم جملي ؟ قالت : لا , قالت : يا أم المؤمنين إنها تعني زوجها قالت : ردوها علي فقالت: ملحة ملحة في النار اغسلوا على أثرها بالماء والسدر".

ومن هنا ندرك أن للملح أثر في علاج السحر,وكون عائشة رضي الله عنها وهي من فقهاء الصحابة أمرت بغسل موضع الساحرة بالماء والملح وفي الرواية الأخرى بالماء والسدر, هذا الفعل يدرك مغزاه من يمارس الرقية الشرعية وذلك أن الساحر أو من يذهب إلى ساحر لعمل سحر لآخر فإنه يكون برفقته بعض شياطين ذلك الساحر وصبُ الماء والملح أو الماء والسدر في الموضع الذي كان جالسًا فيه يمحو الآثار الشيطانية المصاحبة له.

فما تقدم من الحديث والأثر يدلك بوضوح على تأثير الملح في الرقية وتأثيره في علاج السحر والقضاء على آثاره.

وأما الروابط التي أحالت إلى بعض الفتاوى فإن الفتوى اشترطت عدم ثبوت تأثير الملح عند المتخصصين، قلتُ: المتخصصون هم الرقاة، وهم أعلم الناس بتأثير الملح على الجن وما يتصل بذلك من العين والمس والسحر، هذا وأسأل الله أن يبصرنا بالحق ويوفقنا للعمل به وأن يجنبنا أن نتقول عليه بلا علم وصلى الله على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين.


أملاه: أبو عبد الله مجالي بن محمد البوق.
الخميس 3/6/1435هـ
majaaly@yahoo.com

Leave a Reply

Subscribe to Posts | Subscribe to Comments

- Copyright © مجالي البوق - Skyblue - Powered by Blogger - Designed by Johanes Djogan -