Posted by : مجالي البوق الثلاثاء، 24 ديسمبر 2019



تأملات في أحاديث الرقية (4) 

الحمدلله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبيه محمد، وعلى آله
 وصحبه أجمعين، فهذه سلسلة من المقالات في الكلام على مسائل متعلقة بالرقية وما يتصل بها، أسميتها (تأملات في أحاديث الرقية)، أورد فيها بعض الأحاديث، وما يُستفاد منها من فقه وعلم.
لايزال الحديث موصولاً في الكلام على حديث " هم الذين لا يسترقون، ولا يكتوون، ولايتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون " والذي ابتدأنا الحديث عنه في المقال الثاني من هذه السلسلة وقدمنا فيما سبق القول الذي رجحناه في بيان المراد من هذا الحديث، وذكرنا عدة أدلة تؤيّد هذا القول، ونتابع في هذا المقال ذكر بقية الأدلة الدالة على تقرير هذا المعنى وترجيحه.

الفقه العملي للصحابة في هذا الحديث :
7 - إن الفقه العملي للصحابة الذين رووا هذا الحديث هو مما يُعين على فهمهذا النص النبوي الكريم.
 والمقصود بالفقه العملي وهو معرفة كيف تعامل الصحابة -رضوان الله عليهم- مع هذا الحديث، كيف طبّقوه، وكيف فهموه، وكيف تعاملوا مع من حولهم بناءً على فهمهم لهذا الحديث. وهذا - في نظري - أمرٌ مهم في فهم النص، وهو يرجع إلى التعرف على البيئة التي قيل فيها، وتطبيق الصحابة له؛ فهم أعلم به من غيرهم فقد عاصروه، وعايشوه، ورأوا كيفية تطبيق الرسول -صلى الله عليه وسلم- له ولذلك رأيت أن أذكر هنا بعض ما عثرتُ عليه في هذا الشأن مما يعين على فهم النص واستيضاح المراد منه، والله وحده هو الموفق للصواب.
هناك عدد من الصحابة -رضي الله عنهم- رووا هذا الحديث، والروايات معناها واحد وإن كانت قد تختلف في الألفاظ تقديماً وتأخيراً، ومن الذين رووا هذا الحديث من الصحابة مَن كان له فقهٌ عملي في التعامل مع هذا الحديث، ومنهم مَن لم أعثر على عمل له يتعلق بهذا الحديث، وسأذكر ذلك بالتفصيل على النحو التالي:  
أ – عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- وقد أخرج حديثه الشيخان البخاري 
ومسلم وغيرهما.
ب - عمران بن حصين -رضي الله عنه- وقد أخرج حديثه مسلم في صحيحه 
( ح 218 ، وكذلك  ابن حبان في صحيحه ( ح 6089 ) . 
ت - عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه- وقد أخرجه حديثه الحاكم في 
المستدرك ( 797 / 5 ).
وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد ( ص 700 ) . 
ث - جابر بن عبدالله -رضي الله عنه- وقد أخرج حديثه الهيثمي في مجمع 
الزوائد ( 409 / 10 ) ، 
وقال: رجاله رجال الصحيح غير مجالد بن سعيد وقد وثّق. 
ج - أنس بن مالك -رضي الله عنه- وقد أورده الألباني في صحيح الجامع 
( ح 3604 ) . 
ح – أبو هريرة -رضي الله عنه- وقد أخرج حديثه ابن حبان في صحيحة ( ح 726 )، لكن لم يذكر أنهم لا يتطيرون، وكذلك لم يذكر أنهم سبعون ألفاً. 
وقد ضعّفه شعيب الأرناؤوط في تخريجه لأحاديث ابن حبان.
فهؤلاء ستة من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حدّثوا بهذاالحديث،  وقد مرّ معنا في المقال الثاني ذكر بعض الآثار عن الصحابة -رضي الله 
عنهم- الذين استرقوا واكتووا، والذي يعنينا منهم في هذا المقام: أنس بن مالك -رضي الله عنه- حيث ورد عنه أنه اكتوى من اللقوَة، وكذلك عمران 
بنحصين-رضي الله عنه- أنه كان ينهى عن الكي ثم اكتوى بعد ذلك، وهذه الآثار موجودة في مصنف ابن أبي شيبة ( راجع المقال الثاني )، فهذان 
الصحابيان وقع منهما الاكتواء، ولا يُقال لعلهما لم يطّلعا على الحديث؛ لأنهما ممن رووا هذا الحديث، ولا يُظن فيهما أنهما ليسا حريصين على تحصيل الفضل الوارد في الحديث، ومع ذلك فقد اكتويا، وهذا فقهٌ عملي منهما وأن ما قاما به من الاكتواء لا ينافي ما جاء في الحديث، وأنهما فهِما أن الاكتواء المطلوب تركه في هذا الحديث هو صورة معينة وحالة معينة منه كانت موجودة في الجاهلية، وهما حينما اكتويا لم يقع منهما الكي على الوجه المذموم  الذي كان في الجاهلية. وإنما ذكرت هذين الأثرين مع أنهما متعلقان بالكي وليس بالرقية؛ لأن الحكم واحد فيهما، ولأن المقصود هو بيان أن هذين الصحابيين لم يفهما من الحديث ترك الاكتواء مطلقاً كما يُقرره أصحاب القول الآخر الذين يرون في الحديث دلالة على ترك الاسترقاء والاكتواء مطلقاً لا فرق عندهم بين المذموم والمشروع منهما، وقد بينّا ضعف هذا القول، وقدّمنا الأدلة على ذلك ومنها هذا الدليل المتعلق بالفقه العملي للصحابة الذين رووا الحديث.

أما الصحابي عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه- فقد جاء عنه مايدل على إنكاره للرقية مطلقاً وهذا رُبما يُفهم منه أنه يرى أن قوله "لا يسترقون" في الحديث يشمل الرقية كلها سواءً كانت من القرآن أو من غيره من رُقى الجاهلية المحرمة، وفهمه هذا رضي الله عنه بناه على الحديث الذي رواه،  
وقد تقدّم ذكرُ هذا الحديث، ونذكره هنا مع زيادة توضَح موقفه وفهمه للحديث،  روى أبو داوود في سننه حديث عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الرقى والتمائم والتولة شرك ". 
قالت زينب زوجة عبدالله بن مسعود-رضي الله عنه-: " قلتُ: لِمَ تقولُ هذا؟ واللَّهِ لقد كانَت عيني تقذفُ وَكُنتُ أختلفُ إلى فلانٍ اليَهوديِّ يرقيني فإذا رقاني 
سَكَنت، فقالَ عبدُ اللَّهِ: إنَّما ذاكَ عمَلُ الشَّيطانِ كانَ ينخسُها بيدِهِ فإذا رقاها كفَّ عنها، إنَّما كانَ يَكْفيكِ أن تَقولي كما كانَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ يقولُ: 
أذهِبِ الباسَ ربَّ النَّاسِ، اشفِ أنتَ الشَّافي، لا شفاءَ إلَّا شفاؤُكَ شفاءً لا يغادرُسَقمًا" وقد صححه الألباني في صحيح أبي داوود ( ح 3883 ). 
  
ومن هذه القصة ترى أن ابن مسعود -رضي الله عنه- أنكر على زوجته الاسترقاء وأنها كانت تذهب إلى شخص يهودي يرقيها، وهو لم يُنكر عليها لأنها ذهبت إلى يهودي يرقيها، بل أنكر عليها أصل فعلها وهو الاسترقاء، ولم  يستفصل ويسأل هل اليهودي كان يرقيها بشيءٍ مُباح أو بشيء محرم، 
وأمرها بالاقتصار على الدعاء الذي ذكره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم 
" أذهِبِ الباسَ ربَّ النَّاسِ، اشفِ أنتَ الشَّافي، لا شفاءَ إلَّا شفاؤُكَ شفاءً لا يغادرُ سَقمًا".
وهذا يعني أنه فهم الحديث على عمومه وأن الرقى والتمائم والتولة كلها من الشرك، وهذا الفهم لاشك أنه خطأ، وهو يُعارض ما قاله النبي -عليه الصلاة  والسلام- في حديث عوف بن مالك الذي رواه مسلم - وقد تقدّم معنا - : 
"لابأس بالرقى مالم يكن فيه شرك "، وهذا الحديث يدل على جواز الرقية التي  ليست من الشرك، ولذلك لا نستطيع أن نأخذ بقول وفهم ابن مسعود هذا؛ لأنه يعارض قول المعصوم صلى الله عليه وسلم، وهذا الفهم لو أجريناه على حديث السبعين ألفاً وهم الذين لا يتطيرون ولا يسترقون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون، فمعنى هذا أنه يرى ترك الاسترقاء مطلقاً؛ لأن الرقى كلها عنده من الشرك، وهذا في الحقيقة يؤكد أن الاسترقاء المطلوب تركه في الحديث هو ما كان من الشرك وهو الذي ينافي التوكل، وهو المعنى الذي رجّحناه غير أننا لا نستطيع أن ننسب هذا الفهم إلى ابن مسعود؛ لأنه لا يُقسّم الرقية إلى قسم جائز وقسم ممنوع بل الكل عنده ممنوع، وكذلك التمائم عنده كلها ممنوعة لا فرق عنده بين التميمة التي تُعلّق من القرآن أو من غيره، فعن إبراهيم النخعي عن عبد الله: أَنَّهُ كَرِهَ تَعْلِيقَ شَيْءٍ مِنَ الْقُرْآنِ. ( مصنف ابن أبي شيبة 5/ 35، باب في تعليق التمائم والرقى ).
الكراهة عندهم تعني التحريم، وليست هي بالمعنى الذي اصطلح عليه الفقهاء فيما بعد.

فإن قال قائل: ولماذا لا يكون إنكاره على زينب زوجته لأجل أنها ذهبت إلى يهودي، ورُقى اليهود قد تكون من الرُّقى الشركية المحرمة؟  
فالجواب عن هذا أن نقول: 
أ - إنه لم يذكر في كلامه معها ما يدل على أن إنكاره عليها بسبب ذهابها إلى اليهودي حتى نجعل السبب في المنع من استرقائها هو ترددها على اليهودي.
ب - إن اليهود كانوا يمارسون الرقية ورُبما كانت الرقية بكلام الله الموجود عندهم في التوراة مما ليس فيه شرك فتجوز الرقية به، ويدل على هذا أن أبابكر -رضي الله عنه- دخل على عائشة وهي تشتكي وعندها امرأة ترقيها، وفي رواية عندها يهودية ترقيها فقال أبو بكر -رضي الله عنه-: ارقيها بكتاب الله وهذا الأثر صحح إسناده النووي في المجموع ( 65 / 9 )، فأبو بكر -رضي الله عنه- لم يُنكر على عائشة ولا على اليهودية وإنما أمر اليهودية أن ترقيها بكتاب الله، وكتاب الله هنا ليس هو القرآن؛ لأن اليهود لا يؤمنون به،  وإنما المقصود كتاب الله الذي عندهم وهو التوراة، وقد ذكر العلماء أنه ليس كل ما في التوراة محرّف، وأن التحريف الذي عندهم قد كشف الله عنه في القرآن ، وعلى هذا فيُمكن قراءة شيء من التوراة باللغة العربية مما ليس فيه شرك فيكون جائزاً كما دل عليه حديث عوف بن مالك: "  لابأس بالرقى مالم يكن فيه شرك "، فليست القضية عند ابن مسعود -رضي الله عنه- إنكار الرقية لأن الراقي يهودي، وإنما لأصل العمل وهو ذهابها لشخص يرقيها، 
فحتى لو ذهبت إلى شخص مسلم يرقيها فالحكم عنده واحد وهو أنه كما  قال إنما كان يكفيك " أذهِبِ الباسَ ربَّ النَّاسِ، اشفِ أنتَ الشَّافي، لا شفاءَ إلَّا شفاؤُكَ شفاءً لا يغادرُ سَقمًا"، ولكن بالنظر إلى الأدلة الدالة على جواز الرقية بكل ما هو مباح من كلام الله والأدعية والأذكار الواردة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكل كلامٍ مُباح ليس فيه شرك فإنه يجوز لزينب زوجة ابن 
مسعود أن تسترقي به، ولا يلزمها الاقتصار فقط على الدعاء الذي أمرها به 
وإن كان هذا الدعاء مما جاء عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لكنه لم يأمرنا بالاقتصار على هذا الدعاء فقط دون غيره كما هو ظاهر صنيع ابن    
مسعود مع زوجته زينب في هذه القصة حيث اقتصر على ذكر هذا الدعاء فقط.
ومذهب ابن مسعود -رضي الله عنه- في مسائل الرقية قد يكون من أشد  المذاهب إن لم يكن أشدّها على الإطلاق بالنظر إلى ما جاء عن بقية الصحابة- رضي الله عنهم-، وله آراء تعكس فهمه للنصوص النبوية، وهو يخالف فيها ما عليه جمهور الصحابة -رضي الله عنهم- فيما ذهبوا إليه في 
مسائل الرقية ولكن كلٌ يُؤخذ من قوله ويُرد عليه إلا محمد صلى الله عليه وسلم، فمن وافق مذهبه ما جاء عن الرسول أخذنا به، ومن خالف مذهبه ما جاء عن الرسول تركناه ولم نأخذ به، والتمسنا له العذر فيما وقع فيه من خطأ ومخالفة فهذا ما أدّاه إليه اجتهاده، والفقيه إذا اجتهد في المسألة فأصاب فله أجران، وإذا أخطأ فله أجرٌ واحد وهو أجر الاجتهاد، ويُغتفر له خطؤه ولكن 
متى تبيّن لنا خطأ الفقيه في موجب الدليل وجب علينا العدول عنه إلى 
الصواب الموافق للدليل.
 وليس هذا مقام عرض وسرد آراء ابن مسعود -رضي الله عنه- في مسائل الرقى وربما تأتي مناسبة في المقالات القادمة لعرض وسرد هذه الآراء ومناقشتها، والله الموفق.

أما بقية رواة الحديث من الصحابة وهم ابن عباس وجابر وأبي هريرة-رضي 
الله عنهم- فهؤلاء لم أجد عنهم فيما اطلعت عليه من الآثار ما يُبيّن كيفية تعاملهم مع هذا الحديث وتطبيقهم له، وفيما نقلناه عن أنس بن مالك وعمران بن حصين-رضي الله عنهم- كفاية في تقرير ما أردنا الوصول إليه وتوضيحه وبيانه، والله وحده هو الموفق للصواب، وسيأتي عن عبد الله بن عباس-رضي الله عنهما- ما يدل على توسعه في أمر الرقى عند الكلام على مسألة الرقية 
وهل  هي توقيفية أم اجتهادية إن شاء الله، فنُرجئ ذكر هذا إلى موضعه؛ حتى 
لا يتكرر الكلام ويطول المقال.



الكلام على رواية الإمام مسلم: 
لقد روى الإمام مسلم-رحمه الله- هذا الحديث في صحيحه بزيادة لفظة " لا يرقون"، حيث قال رحمه الله: حدثنا سعيد بن منصور، حدثنا هشيم، أخبرنا 
حصين بن عبد الرحمن، قال: كنت عند سعيد بن جبير... وذكر القصة إلى أن  
قال في صفة السبعين ألفًا الذين يدخلون الجنة بغير حساب: "هم الذين لا  يرقون، ولا يسترقون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون" (ح374، باب 
الدليل على دخول طوائف من المسلمين الجنة بغير حساب ولا عذاب).
وقد أنكر بعض العلماء هذه الزيادة " لا يرقون" وقال بأنها وهمٌ وغلط، وهذا بناءً على ما فهمومه واعتقدوه من أن ترك الاسترقاء مطلوب مطلقًا سواءً  كانت الرقية جائزة أو ممنوعة، وظنوا أن قوله " لا يرقون" هو كذلك بنفس المعنى وأنهم لا يرقون غيرهم لا بالرقية الجائزة ولا بالممنوعة، وأن هذا يُعارض ما ثبت من أنه عليه الصلاة والسلام رقى غيره، ورقاه جبريل-عليه 
السلام-، ولكن على ما رجّحناه من أنّ هذا الحديث إنما هو محمولٌ على ترك 
الرقى المحرّمة، وأما الجائزة فلا تدخل في هذا الحديث، وعلى هذا فإن قوله    "لا يرقون" لا يتعارض مع ما ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام؛ لأن المقصود أنهم لا يرقون بالرقى الجاهلية والشركية المحرّمة، وأما إنكار هذه الزيادة من ناحية الصنعة الحديثية فقد قال ابن حجر-رحمه الله- 
في الفتح (11/  409): "وأجاب غيره بأن الزيادة من الثقة مقبولة، وسعيد بن منصور حافظ، وقد اعتمده البخاري ومسلم، واعتمد مسلم على روايته هذه، 
وبأن تغليط الراوي مع إمكان تصحيح الزيادة لا يُصار إليه". اهفهذا مما يدلك على أن تغليط الراوي ليس في محلّه، وأننا متى ما فهمنا أن معنى قوله " لا يرقون، ولا يسترقون" إنما هو محمولٌ على الرقى المحرّمة  
شرعًا فإنه في هذه الحالة ليست هذه الزيادة غلطًا، ولا تُعارض الأحاديث التي  ثبتت فيها الرقية؛ لأنها كانت رقية جائزة مأذونٌ فيها شرعًا بخلاف المطلوب تركه في قوله: " لا يرقون، ولايسترقون" فهي في الرقى غير المأذون فيها شرعًا، فلا تعارض ولله الحمد بل وهذه اللفظة الزيادة أعني قوله 
         "لا يرقون" مما يؤكد ما ذهبنا إليه ورجحناه في أن المقصود بالحديث ترك الاسترقاء المذموم والممنوع شرعًا. 
ومما يقوي هذا الفهم الذي ذهبنا إليه في هذه اللفظة التي رواها الإمام مسلم- رحمه الله- ما رواه سعيد قال حدثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن عبد 
الغفار بن المغيرة بن شعبة، عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال:  
«لَمْ يَتَوَكَّلْ مَنْ أَرْقَى وَاسْتَرْقَى» وقد جوّد إسناده ابن مفلح في الآداب الشرعية 
(2/ 349)، وكذلك الشيخ الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب-رحمه الله- 
(انظر: مجموعة الحديث على أبواب الفقه 2/ 226).
وسعيد هذا هو ابن منصور يروي عن سفيان بن عُيينة، وأما قوله: "عبد الغفار عن المغيرة" فلعله خطأ، وإنما هو العقار بن المغيرة، أحد أبناء المغيرة، يروي عن أبيه المغيرة بن شعبة-رضي الله عنه-، وسعيد بن منصور  هو نفسه الذي روى له الإمام مسلم الحديث السابق الذي فيه زيادة:  
" لا يرقون"، وقد تقدّم كلام ابن حجر عن هذه الزيادة، ويشهد لها كذلك هذا الحديث هنا، وهذا الحديث يؤكّد الفهم الذي ذهبنا إليه؛ فإن قوله: " لم يتوكل من أرقى واسترقى" لا يصح إلا إذا كانت الرقية غير شرعية ومحرّمة فإنه عند ذلك لا يكون متوكلًا مَن رقى غيره، أو طلب الرقية من غيره، أما إذا قلنا 
بأن مَن رقى غيره برقية شرعية جائزة أو استرقى بطلب الرقية من غيره برقيةٍ شرعيةٍ جائزة فإن هذا لا يُنافي التوكل، ولا يقدح فيه، وبالتالي فإن هذا 
الحديث " لم يتوكل من أرقى واسترقى" لا ينطبق إلا على صورة الرقية المحرّمة.
وعلى هذا فإن الزيادة التي رواها الإمام مسلم-رحمه الله- " لا يرقون" مع  قوله " ولا يسترقون" تتفق تمامًا مع ما جاء في هذا الحديث: " لم يتوكل من أرقى واسترقى"، فإنهما يتناولان الصورة المحرمة للرقية والله أعلم، 
والحمد لله على ما يسّر وأعان، فما كان من صواب فهو من الله وحده بفضلٍ منه وكرمٍ وتوفيق، وما كان من خطأ فمن نفسي ومن الشيطان، وأستغفر الله وأتوب إليه، وأرجع عنه متى ما تبيّن لي الحق بعون الله.



{ 1 التعليقات... read them below or add one }

  1. جزاكم الله خيرا ياشيخ عندي استفسار هل ممكن يكون الصحابه ممن اكتوي او رقى قبل يسمع الحديث من الرسول صلى الله عليه وسلم؟

    ردحذف

- Copyright © مجالي البوق - Skyblue - Powered by Blogger - Designed by Johanes Djogan -