Posted by : مجالي البوق الأربعاء، 7 مايو 2014




هل الذهب هو النفط في الحديث "يَحسُر الفرات عن جبل من الذهب"[1] ؟

سألني أحد الإخوة عما ورد من كلامٍ لمحاضرٍ في مقطع فيديو:
وهل هذا التأويل سائغٌ أم لا؟!


فكتبت تعليقًا في مكانه في اليوتيوب ولكنني فوجئت بأنه قد حُذف ولذلك أعدت كتابته ها هنا في هذا المقال، وكان مما قلته في هذا التعليق:

لا أتفق مع المحاضر فيما ذهب إليه من تفسير الذهب في الحديث بالنفط؛ لأمورٍ عدة، وقبل ذكر هذه الأمور أحب أن أنبه المستمع إلى أن حديث "اتقوا فراسة المؤمن فإنه يرى بنور الله"[2] ضعيفٌ لا يصح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وعلى تقدير الصحة فإن الفراسة أمرٌ يتعلق بالنظر والتفحص في الأشخاص ومعرفة ما وقع وما يُتوقع من تصرفاتهم، وليس لها علاقةٌ بالنظر والفهم لنصوص الكتاب والسنة، ولم يذكر أحدٌ من علماء الفقه والأصول أن لها مدخلاً في هذا الشأن, هذا من جهة، ومن جهةٍ أخرى فإن ما ذهب إليه المحاضر من تفسير الذهب بالنفط يمتنع لعدة أمور:

1- ذَكَرَ الحديث لفظ "يحسر الفرات"، وهنا تفسيره جبل الذهب بالنفط الذي يذكر المحاضر أنه قد ظهر، فلم يتحقق ما ورد في الحديث من انحسار الفرات.

2- لو كان المقصود هو منطقة الفرات فلا فرق إذًا بين أن يقول يحسر دجلة أو يحسر الفرات؛ لأن الكل واقعٌ في منطقة الفرات، والمحاضر لا يقصر الحديث على منطقة الفرات فقط، بل يوسع الدائرة لتشمل منطقة النفط كلها في الخليج العربي، ولا شك أن هذا فيه إهمالٌ وإضاعةٌ لفائدة تخصيصِ وذكرِ الفرات دون غيره من الأنهار والأماكن.

3- الحديث ورد فيه قوله - عليه الصلاة والسلام - "فمن حضره فلا يأخذ منه شيئا"[3] وتفسير الذهب بالنفط لا يستقيم، لأن الأفراد لا ينتفعون بأخذ النفط وهو خام، بل قد لا يتمكنون من ذلك أصلاً لكونه يحتاج إلى استخراجٍ من باطن الأرض، وهذا عملٌ تقوم به الدول وليس الأفراد.

4- ذكر الحديث اقتتال الناس عنده -أي الجبل-، وأنه ينجو من كل مئةٍ واحد، فأين القتال الذي حصل عند النفط قبل الغزو العراقي للكويت عام 1991م ؟!

وفي الحديث كذلك أن كلاًّ من هؤلاء المتقاتلين يظن أنه هو الناجي، وقد يُفهم من ذلك أن المتقاتلين قد يكونون مسلمين يعرفون هذا الحديث؛ ولذلك نهى النبي - عليه الصلاة والسلام - عن قصد هذا الذهب لأنه سيفضي إلى الفتنة وإراقة الدماء، ولأن هذا الذهب يكون فيئًا ينبغي أن يصير إلى بيت مال المسلمين، ولذلك لو قُدِّر أن أحدًا من المسلمين بُذل له من هذا الذهب بدون قتالٍ لم يجُز أخذه وإنما يقوم الخليفة العادل بقسمه وتوزيعه على المسلمين، والعجيب أن المحاضر جعل نسبة القتلى 99% هي نسبة الحرام في العملة الورقية ونسبة 1% هي نسبة الحلال فيها، وهذا لاشك أنه تأويل بعيدٌ جدًا، ثم إن جانبًا من المعلومات الاقتصادية التي أوردها المحاضر ليست دقيقة؛ فإن الكويت -على سبيل المثال - وإلى وقتٍ قريبٍ كانت تبيع النفط بالدينار الكويتي وليس بالدولار الأميركي، ومادامت العملة دينارًا وليست دولارًا فلا بأس بأخذها؛ لأن الممنوع عند المحاضر هو أخذ الدولار الأميركي الذي يمثل قيمة النفط الذي يساوي الذهب، وهذا يعارض النهي الوارد في الحديث, في قوله "فلا يأخذ منه شيئا" ثم لو قُدِّر أن يُباع النفط بذهبٍ أو فضةٍ جاز أخذ هذا العوض لأنه ليس عملةً ورقيةً -هذا لازم قوله-، وفي هذا مخالفةٌ صريحةٌ للنهي في قوله: "فلا يأخذ منه شيئًا"، وفساد اللازم دليلٌ على فساد الملزوم وهو تفسيره الذهبَ بالنفط.

والذي أراه في هذا الحديث - والله أعلم - أن زمن تحقق هذه العلامة يكون في زمن ظهور الدجال, لأنه ورد في الحديث[4] أنه قبل خروج الدجال بثلاث سنواتٍ تمسك السماء ثلث قطرها في السنة الأولى، ثم تمسك السماء ثلثي قطرها في السنة الثانية، ثم تمسك جميع قطرها في السنة الثالثة، وهذا سيؤدي - والعلم عند الله - إلى انخفاض منسوب المياه في نهر الفرات، ومن ثم يَحسِر النهر عن جبلٍ حقيقيٍ من الذهب يتسامع الناس به وقد أصابهم من الفقر والجوع والشدة ما يجعلهم يقصدون إليه، فيتحقق ما أخبر به الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى - صلى الله عليه وسلم -.

هذا والله أعلم، ونسبة العلم إليه أسلم، وصلى الله على نبينا محمدٍ وآله وصحبه وبارك وسلم.






[1]  عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : "لا تقومُ الساعةُ حتى يحسرَ الفراتُ عَنْ جبلٍ مِنْ ذهبٍ . يقتتلُ الناسُ عليهِ . فيُقتَلُ ، مِنْ كلِّ مائةٍ ، تِسعةٌ وتسعونَ . ويقولُ كلُّ رجلٍ مِنهُمْ : لعلِّي أكونُ أنَا الذي أَنْجُو" . وفي روايةٍ : بهذا الإسنادِ ، نحوَهُ . وزادَ : فقال أَبي : إنْ رأيتَهُ فلا تقربَنَّهُ. رواه الإمام مُسلم.
[2] رواه الترمذي من حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- , وفي إسناده محمد بن كثير الكوفي قال البخاري: " منكر الحديث ".وقد ذكره ابن الجوزي في الموضوعات وقال عنه : "لا يصح".
[3] كما في رواية أخرى للحديث : "  يُوشِكُ الفراتُ أنْ يَحسَرَ عنْ جبلٍ مِنْ ذهبٍ  فمَنْ حضرَهُ فلا يأخذْ  مِنهُ  شيئًا ".  
[4] الذي رواه أحمد في مسنده , عن أسماء بنت يزيد قالت :" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي فذكر الدجال فقال إن بين يديه ثلاث سنين سنة تمسك السماء فيها ثلث قطرها والأرض ثلث نباتها والثانية تمسك السماء ثلثي قطرها والأرض ثلثي نباتها والثالثة تمسك السماء قطرها كله والأرض نباتها كله فلا يبقى ذات ظلف ولا ذات ضرس من البهائم إلا هلكت وإن من أشد فتنته أنه يأتي الأعرابي فيقول أرأيت إن أحييت له إبلك ألست تعلم أني ربك فيقول بلى فيمثل له نحو إبله كأحسن ما يكون ضروعا وأعظمه أسنمة قال ويأتي الرجل قد مات أخوه ومات أبوه فيقول أرأيت إن أحييت لك أباك وأخاك ألست تعلم أني ربك فيمثل له الشياطين نحو أبيه ونحو أخيه قالت ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجته ثم رجع والقوم في اهتمام وغم مما حدثهم قال فأخذ بلجفتي الباب فقال مهيم أسماء قلت يا رسول الله لقد خلعت أفئدتنا بذكر الدجال قال إن يخرج وأنا حي فأنا حجيجه وإلا فإن ربي خليفتي على كل مؤمن فقلت يا رسول الله والله إننا لنعجن عجيننا فما نخبزه حتى نجوع فكيف بالمؤمنين يومئذ قال يجزيهم ما يجزي أهل السماء من التسبيح والتقديس", والحديث إسناده حسن كما هو ظاهر صنيع ابن حجر في تخريج المشكاة , وقال ابن كثير في (النهاية) :"إسناده لا بأس به وله شاهد"

Leave a Reply

Subscribe to Posts | Subscribe to Comments

- Copyright © مجالي البوق - Skyblue - Powered by Blogger - Designed by Johanes Djogan -