Posted by : مجالي البوق الثلاثاء، 13 أكتوبر 2015








(  العدوّ الذي يتحالف المسلمون والرُّوم لقتاله )     


قال- عليه الصلاة والسلام-: " فَتَغْزُونَ أَنْتُمْ وَهُمْ عَدُوًّا مِنْ وَرَائِكُمْ"  هذا في رواية، وفي رواية أخرى: " عَدُوًّا
مِنْ وَرَائِهمْ" كما ذكر المتقي الهندي في كنز العمال[1]، وهناك رواية ثالثة بلفظ: " ثُمَّ تَغْزُونَ أَنْتُمْ وَهُمْ عَدُوًّا"[2] هكذا
مطلقةً بدون تقييد بقوله: " من ورائكم أو من ورائهم "، فمن هذا العدو؟ وهل هناك أحاديث أشارت إليه؟

هناك حديث ذكره السلمي في عقد الدرر عن ابن مسعود- رضي الله عنه-  عن النبي- صلى الله عليه وسلم -أنه
قال:
 " تكون بين الروم وبين المسلمين هدنةٌ وصلح، حتى يقاتلوا معهم عدوًا لهم، فيقاسمونهم غنائمهم، ثم إن الروم
يغزون مع المسلمين فارس، فيقتلون مقاتلتهم، ويسبون ذراريهم، فيقول الروم: قاسمونا الغنائم كما قاسمناكم.
فيقاسمونهم الأموال وذراري الشرك، فيقول الروم: قاسمونا ما أصبتم من ذراريكم. فيقولون: لا نقاسمكم ذراري
المسلمين أبداً. فيقولون: غدرتم بنا.
فيرجع الروم إلى صاحبهم بالقسطنطينية، فيقولون: إن العرب غدرت بنا، ونحن أكثر منه عددًا، وأتم منهم عدة،
وأشد منهم قوة، فأمرنا نقاتلهم، فيقول: ما كنت لأغدر بهم، قد كان لهم الغلبة في طول الدهر علينا.
فيأتون صاحب رومية، فيخبرونه بذلك، فيوجهون ثمانين غاية، تحت كل غاية اثنا عشر ألفًا في البحر، ويقول لهم:
إذا أرسيتم بسواحل الشام فاحرقوا المراكب؛ لتقاتلوا على أنفسكم، فيفعلون ذلك، ويأخذون أرض الشام كلها،
 برَّها وبحرَها- ما خلا مدينة دمشق، والمعتق-، ويخربون بيت المقدس.. الحديث " وقد عزاه إلى نعيم بن حماد في
كتاب الفتن.[3]

      وهذا الحديث يجمع بين الروايات؛ فهو يذكر أن هناك حربين يشترك فيها المسلمون مع الروم، الأولى: في قتال
عدوٍّ لهم- أي عدو للروم- وهذا يوافق رواية " من ورائهم"، والثانية: يشتركون فيها لقتال عدو للمسلمين- وهم
فارس التي تسمّى اليوم "إيران" ، وهذا يوافق رواية" من ورائكم"، ويكون المقصود بهم هنا الرافضة الشيعة
الموجودون في إيران.
      ولا يخفى ضعف الحديث؛ فهو من مرويات نعيم بن حمّاد، ولا يمكن الاستناد إليه حتى نبني عليه اعتقادًا يتعلّق
بخبرٍ من أخبار الساعة وأشراطها، اللهم إلا أن توجد في الواقع أمارات تدل عليه؛ فيصلح عندها الاحتجاج به
عند من يرى أن الحديث الضعيف يؤخذ به إذا وُجِدت أمارة أو علامة من الواقع تشهد له[4]، وهذا على اعتبار
أن الخبر إذا صحّ منه شيء دلّ على صحة باقيه.
      قلت: ولكن ينبغي عدم الجزم بأنه من كلام رسول الله- صلى الله عليه وسلم-؛ فإن كونه صحيحًا لا يلزم منه أن
يكون من كلام رسول الله- عليه الصلاة والسلام-، بل قد يكون من أخبار أهل الكتاب.



 وإذا كان الأمر كذلك؛ فإن العدو يبقى مجهولاً، ويمكن تفسيره بأحد احتمالين:

الأول:  أن يكون العدو من الكفار.
والثاني: أن يكون العدو من المسلمين البغاة المعتدين.

فأما الاحتمال الأول، فهو الظاهر، وعليه بنى أكثر العلماء استنباط الحكم في جواز الاستعانة بالكفار في قتال
الكفار.
وأما الاحتمال الثاني في أن يكون العدو المُبهَم في الحديث من بغاة المسلمين المعتدين، فهذا لم أجده
في كلام أحد من المتقدمين- حسب اطلاعي- عند كلامهم على هذا الحديث أو استنباطهم الحكم منه على جواز
الاستعانة بالكفار على قتال البغاة من المسلمين.
لكن ذكر الشيخ عبد العزيز بن باز- رحمه الله- كلامًا قد يُفهَم منه أن الحديث يمكن أن يُستنبط منه هذا الحكم ،
 أعني: جواز الاستعانة بالكفار على قتال البغاة المعتدين من المسلمين وصد عدوانهم، وكذلك تفسير رواية " عدوًا
من ورائكم" حيث قال:
 " لا بأس أن يستعين المسلمون بغيرهم للدفاع عن بلاد المسلمين وحمايتهم وصد العدوان عنهم ، وليس هذا من
 نصر الكفار على المسلمين الذي ذكره العلماء في ( باب حكم المرتد )؛ فذاك أن ينصر المسلم الكافر على إخوانه
المسلمين ، فهذا هو الذي لا يجوز ، أما أن يستعين المسلم بكافر ليدفع شر كافر آخر أو مسلم معتد ، أو يخشى
عدوانه فهذا لا بأس به وقد ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - استعان بدروع أخذها من صفوان بن أمية استعارها
 منه - وكان صفوان كافرًا ذلك الوقت - في قتاله لثقيف يوم حنين ، وكانت خزاعة مسلمها وكافرها مع النبي
- صلى الله عليه وسلم - في قتاله لكفار قريش يوم الفتح، وصح عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال :
" إنكم تصالحون الروم صلحًا آمنًا ثم تقاتلون أنتم وهم عدوًا من ورائكم"  فهذا معناه: الاستعانة بهم على قتال
العدو الذي من ورائنا ". اهـ [5].

     وليس غرضنا هنا أن نبين صحة هذا القول من عدمه، وإنما المقصود بيان أن الحديث مُحتمِل الدلالة عند من رأى
جواز الاستعانة بالكفار على قتال البُغاة المعتدين من المسلمين، وهذه مسألة أخرى وقع فيها الخلط والغلو في
ساحات الجهاد- كما سيأتي بيانه إن شاء الله-.

والذي أراه في هذا الحديث فيما يدل عليه قوله- عليه الصلاة والسلام- " عدوًّا من ورائكم " أو غيرها من
الروايات أن لفظ العدو هنا يُقصد به الكفار دون المسلمين، وأن الحديث يمكن الاحتجاج به في مسألة
الاستعانة بالكفار على قتال الكفار، أما الاحتجاج به في مسألة الاستعانة بالكفار على قتال البغاة
 المعتدين من المسلمين، فهذا لا يظهر لي؛ لأمرين:

أولاً: أنه طالما تردد الاحتمال بين أن يكون العدو كافرًا وبين أن يكون مسلمًا، فإنه قد تقرر في قواعد الأصول أن
الدليل إذا تطرّق إليه الاحتمال سقط به الاستدلال، وهنا تطرّق الاحتمال إلى أن يكون العدو كافرًا فيسقط
الاستدلال بالحديث فيما يتعلق بالاستعانة بالكفار على قتال بغاة المسلمين.


ثانيًا: هناك قرينة في الحديث قد يُستفاد منها في تحديد جنس العدو وكونه كافرًا، وهي قوله- عليه الصلاة
والسلام-: "  فَتُنْصَرُونَ وَتَغْنَمُونَ وَتَسْلَمُونَ" ؛ فقوله " وتغنمون" ظاهرٌ في الحصول على الغنيمة، وإنما تكون من
العدو الكافر، وأما الغنيمة من العدو- إن كان مسلمًا باغيًا-، فقد قرر أهل العلم في أحكام قتال أهل البغي أنه لا
 تؤخذ أموالهم.

قال ابن قدامة- رحمه الله- : " فأما غنيمة أموالهم ، وسبي ذريتهم ، فلا نعلم في تحريمه بين أهل العلم
 خلافًا ، وقد ذكرنا حديث أبي أمامة ، وابن مسعود ؛ ولأنهم معصومون ، وإنما أبيح من دمائهم وأموالهم ما
حصل من ضرورة دفعهم وقتالهم ، وما عداه يبقى على أصل التحريم"اهـ.[6]

وإذا كان الأمر ليس محل خلاف بين أهل العلم- كما يقول ابن قدامة-؛ فإن هذا مما يقوي القول بأن العدو كافر،
وليس بمسلم، والله أعلم.

ومع أننا لا نرى صحة الاستدلال بهذا الحديث على الاستعانة بالكفار على قتال بغاة المسلمين؛ لما قدمنا من
الأسباب ، فإن هذا لا يعني نفي هذه المسألة من أصلها، وها هنا تنبيهان:

التنبيه الأول:
 إنّ مسألة الاستعانة بالكفار على قتال بغاة المسلمين هي مسألة وقع الخلاف فيها بين السلف، وليست من
مسائل العقيدة المرتبطة بنواقض الإسلام، وهنا وقع الخلط والغلو عند بعض الجماعات الجهادية حيث لم تفرق بين
مسألة ( الاستعانة بالكفار على قتال بغاة المسلمين ) وبين مسألة ( مظاهرة الكفار على المسلمين )، هذا من
جهة، ومن جهة أخرى ترتب على هذا الخلط في الفهم الغلو في تكفير من استعان بالكفار في قتال فئة باغية من
المسلمين.

ولتوضيح هذا نقول: لقد وقع الخلاف بين فقهاء السلف في هذه المسألة، فذهبت المالكية والشافعية والحنابلة إلى
عدم جواز الاستعانة بالكافر في قتال الطائفة الباغية من المسلمين، وذهبت الأحناف إلى جواز ذلك، وهم في
هذا الخلاف لم يعتبروا المسألة من نواقص الإسلام، ولم يشنِّعوا على مخالفيهم من الأحناف ويعدوهم كفارًا مرتدين
لأنهم يجيزون ذلك؛ فالمسألة عندهم لا تخرج عن كونها حرامًا ومعصية ولا تجوز، وقد يكون فاعلها فاسقًا، أو أنها
مباحة جائزة لا محذور فيها ولا إثم، وإليك نصوصهم فيها:

قال الإمام القرافي من المالكية:
"  قال ابن بشير : يمتاز قتال البغاة على قتال المشركين بأحد عشر وجهًا : أن يقصد بالقتال ردعهم القهري ،
ويكف عن مدبرهم ، ولا يجهز على جريحهم ، ولا يقتل أسراهم ، ولا تغنم أموالهم ، ولا تسبى ذراريهم ، ولا
يستعان عليهم بمشرك ، ولا يوداعهم على مال ، ولا تنصب عليهم الرعادات ، ولا تحرق عليهم المساكن ، ولا
يقطع شجرهم" اهـ[7]، والشاهد هنا قوله: " ولا يُستعان عليهم بمشرك" .

وقال النووي إمام الشافعية في زمانه :
" لا يجوز أن يستعان عليهم بكفار؛ لأنه لا يجوز تسليط كافر على مسلم" اهـ[8].

وقال ابن قدامة الحنبلي:
" ولا يستعين على قتالهم بالكفار بحال ، ولا بمن يرى قتلهم مدبرين ، وبهذا قال الشافعي. وقال أصحاب
 الرأي : لا بأس أن يستعين عليهم بأهل الذمة والمستأمنين وصنف آخر منهم - إذا كان أهل العدل هم
الظاهرين على من يستعينون به-" اهـ.[9]

ﻗﺎﻝ أبو محمد ابن حزم:
 " اختلف الناس في هذا ، فقالت طائفة : لا يجوز أن يستعان عليهم بحربي ، ولا بذمي ، ولا بمن يستحل
قتالهم مدبرين ، وهذا قول الشافعي- رضي الله عنه- وقال أصحاب أبي حنيفة : لا بأس بأن يستعان عليهم
بأهل الحرب ، وبأهل الذمة ، وبأمثالهم من أهل البغي ، وقد ذكرنا هذا في " كتاب الجهاد " من قول رسول
 الله- صلى الله عليه وآله وسلم-: " إننا لا نستعين بمشرك " ، وهذا عموم مانع من أن يستعان به في ولاية ، أو
قتال ، أو شيء من الأشياء ، إلا ما صح الإجماع على جواز الاستعانة به فيه : كخدمة الدابة ، أو الاستئجار ، أو
قضاء الحاجة ، ونحو ذلك مما لا يخرجون فيه عن الصغار . والمشرك : اسم يقع على الذمي والحربي.
ﻗﺎل أبو محمد - رﺣﻤﻪ اﻟﻠﻪ -: هذا عندنا - ما دام في أهل العدل منعة - فإن أشرفوا على الهلكة واضطروا ولم
تكن لهم حيلة، فلا بأس بأن يلجئوا إلى أهل الحرب ، وأن يمتنعوا بأهل الذمة ، ما أيقنو أنهم في استنصارهم
 لا يؤذون مسلمًا ولا ذميًّا - في دم أو مال أو حرمة مما لا يحل- ".اهـ[10]

فهذه النقولات عن هؤلاء الأئمة تفيد وتبين حكم المسألة عندهم، وهو عدم الجواز، وفي كلام ابن قدامة وابن حزم
إشارة إلى الخلاف في المسألة مع أهل الرأي، وهم الأحناف.

قال السرخسي الحنفي:
" ولا بأس بأن يستعين أهل العدل بقوم من أهل البغي وأهل الذمة على الخوارج إذا كان حكم أهل العدل
 ظاهرًا ؛ لأنهم يقاتلون لإعزاز الدين". اهـ[11]

وأهل الذمة- عند الأحناف-  هم اليهود والنصارى وغيرهم من المشركين، والخوارج بغاة أهل بدعة، ولكنهم من
المسلمين.
فهذا النص يفيد أنهم يرون جواز الاستعانة بالكفار على قتال أهل البغي والبدعة من المسلمين- كالخوارج وغيرهم-[12].

وبهذا يتبين ما وقعت فيه بعض الجماعات الجهادية الموجودة على أرض الشام من الغلو في التكفير؛ إذ جعلوا من
مسألة يسوغ فيها الاجتهاد ووقع فيها الخلاف بين السلف مسألة من مسائل التكفير، فحكموا بالكفر والردة على
كل جماعة استعانت أو تحالفت مع جماعة أخرى مرتدة في القتال ضدهم، وإنما قلت مرتدة- بناء على نظرهم وما
يعتقدونه في هذه الجماعة-، فلو سلّمنا بكونهم مرتدين بالفعل، فغاية ما في هذه المسألة أن يُقال إن طائفة من جماعة
جهادية مسلمة استعانت أو تحالفت مع طائفة مقاتلة مرتدة في القتال ضد جماعة أخرى مسلمة، وهي مسألة وقع
الخلاف فيها- كما ترى- وليست مناطًا للتكفير أصلاً.
فإن قيل: إنما يصح التصوير لهذه المسألة إذا كان هؤلاء قد استعانوا بكفار مرتدين على قتال بغاة مسلمين، ونحن
 لسنا من البغاة، بل نحن من أهل الحق والعدل، فالجواب أن يُقال: إن المعتبر في الحكم هو ما تعتقده هذه الجماعة
 فيكم، وأنكم بغاة معتدون حينما استعانت أو تحالفت مع من ترونهم مرتدين، وهذه شبهة من شأنها أن تدرأ الحكم
 بالتكفير والردة.

فإذا تبين هذا، فهناك خلط آخر وقع في فهم هؤلاء، ولبّسوا به على أتباعهم، حيث صوّروا لهم المسألة على أنها   
( مظاهرة ومناصرة للكفار المرتدين عليهم )!! وفرق بين الاستعانة والمظاهرة والمناصرة، وهذا قد يكون معلومًا
عندهم، ولكنهم أرادوا أن يلبِّسوا على أتباعهم، ويصوروا الأمر على أنه مظاهرة للمشركين على المسلمين، وأن هذا
من نواقض الإسلام كما ذكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب- رحمه الله- في الناقض الثامن من نواقض الإسلام، ولو
صوّروا لهم المسألة على حقيقتها وأنها من باب استعانة المسلم بالكافر المرتد على من يراه باغيًا؛ لتبيّنت حقيقة
المسألة للأتباع، ولعرفوا أنها من المسائل التي يسوغ فيها الخلاف والاجتهاد، وأن السلف قد اختلفوا فيها، وأنها
ليست مناطًا للحكم بالتكفير والردة؛ فإما أن يكون هذا وقع عن عدم قصد وعن جهل، وإما أن يكون قد وقع
بقصد وعلم، وحصل به التلبيس على الأتباع، والمقصود بيان أن هذه المسألة كذلك هي مما وقع فيه الغلو في
التكفير لدى بعض الجماعات  الجهادية المقاتلة في أرض الشام، فنسأل الله أن يتضح الحق لهم، ويزول ما حصل
في هذه المسألة من لبس أو تلبيس.



إن معظم التكفير الحاصل عند بعض الجماعات الجهادية مرده إلى هاتين المسألتين:

الأولى:  الاستعانة بالكفار المرتدين على قتال المرتدين.
الثانية:  الاستعانة بالكفار المرتدين على قتال بغاة المعتدين من المسلمين.

 فأما الأولى، فقد ظهر حكمها من خلال الكلام على هذ الحديث الذي معنا، وأما الثانية، فقد ظهر حكمها من خلال
 عرض أقوال فقهاء السلف فيها، والله الموفق والهادي إلى الصواب.

التنبيه الثاني:

إن ما يسعى إليه البعض من محاولة تنزيل هذا الحديث " ستصالحون الروم" على الواقع اليوم، وأن هذا التحالف
الذي تقوده أمريكا هو التحالف المذكور في الحديث بين المسلمين والروم ضد عدو مشترك- وهو جماعة الدولة      
التي تُعرَف اختصارًا بـ" داعش "-، أقول إن هذا السعي وهذه المحاولة بعيدة كل البعد عن الحديث ودلالاته؛
وذلك للأمور التالية:

  • ما قدمناه من أن هذه الحرب التحالفية تكون بعد الصلح الآمن الذي يكون بعد حروب مع الروم، وهو لم يوجد- حتى الآنحتى ننتقل إلى الحدث الذي بعده- وهو الحرب التحالفية بين المسلمين والروم ضد عدو مشترك.


  • لا يصح تنزيل الحديث على هذا التحالف؛ لأنه قتال ضد مسلمين، والحديث- كما مر معنا- قد تحقق أن العدو المذكور فيه إنما هو عدو كافر وليس من المسلمين، وأن اللفظ الوارد في الحديث في قوله " تغنمون " يدل على أن العدو كافر؛ فهو الذي تحصل الغنيمة منه، أما بغاة المسلمين، فإن أموالهم لا تُغنم، وأنه لا خلاف في ذلك بين أهل العلم- كما نقلناه عن ابن قدامة رحمه الله-.


  • قد ذكر الحديث بالإضافة إلى الغنيمة " تُنصرون وتَسلمون، وقد قال شُرّاح الحديث في معنى "تسلمون" أي: من الجراحات والقتل[13]، وقد رأينا وسمعنا  كم قُتِل من هؤلاء المتحالفين- من عرب وعجم- ، ولا تخفى حادثة إحراق الطيار الأردني على أحد، فأين السلامة؟!!















( الحرب التحالفيّة : هرمجدون )

      يرى بعض الكتاب المعاصرين أن هذه الحرب التحالفية التي يشترك فيها المسلمون والروم في قتال عدو لهم هي
المعركة التي يسميها أهل الكتاب: " هرمجدون "، وهي تعني بالعربية: سهل مجدون أو وادي مجدون، وهو يقع في
فلسطين، ولأهل الكتاب في هذ المعركة تصورات واعتقادات لا داعي لذكرها؛ فهي باطلة تخالف ما دلّت عليه
السنة النبوية في هذا الحديث الذي معنا، في قوله- عليه الصلاة والسلام-: " فتغزون أنتم وهم عدوًّا من ورائهم".
ولا يعنينا هنا ربط هذه الحرب التحالفية بهذا الاسم وبهذا المكان، ولكن المقصود بيان ما هو موجود عند أهل
الكتاب، وما يراه كثير من الكتاب الذين يعنون بالنظر والتأليف في الفتن والملاحم وأشراط الساعة، والله أعلم
بالصواب.[14]








( لبنان وحادثة رفع الصليب )

قال- عليه الصلاة والسلام-:
" ثم تَرْجِعُونَ حَتَّى تَنْزِلُوا بِمَرْجٍ ذِي تُلُولٍ، فَيَرْفَعُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ النَّصْرَانِيَّةِ الصَّلِيبَ فَيَقُولُ: غَلَبَ الصَّلِيبُ؛
فَيَغْضَبُ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَيَدُقُّهُ ".

 وفي هذا النص يخبر- صلى الله عليه وسلم- أن المسلمين- وبعد أن كتب الله لهم النصر والسلامة والغنيمة-
يرجعون ، وهذا اللفظ قد يُشعِر بأنهم كانوا متواجدين في هذا المكان، وانطلقوا منه مع الروم للقتال، ثم يرجعون
 إليه بعد فراغهم من الحرب- والله أعلم-، ويحتمل أن يكون المعنى: ترجعون من عدوِّكم[15]، فلا يُفهم على الوجه
 الأول الذي قدمناه.

 وبعد رجوعهم ينزلون بمرج ذي تلول، والمرج: هو الأرض الواسعة الخضراء ، وهذا المرج فيه تلول- جمع تَل-،
وهو كُلُّ مَا اجْتَمَعَ عَلَى الْأَرْضِ مِنْ تُرَابٍ أَوْ رَمْلٍ[16].
ويرى كثير من المعاصرين أن هذا الوصف ينطبق على أرض لبنان[17] ، وهذا ليس ببعيد؛ وذلك لأنه قد ذُكِر في
السنة البلدان التي تمثل أرض الشام مثل: الأردن، وبيت المقدس، ودمشق، ولم تكن لبنان معروفة بهذا الاسم
وقت ذكر هذا الحديث- والله أعلم-؛ فأشار إليه النبي- عليه الصلاة والسلام- بهذا الوصف، ولو كان الاسم
ظاهرًا معروفًا لجاء ذكره صريحًا كما جاء ذكر باقي أراضي الشام مصرّحًا به.

وقوله- عليه الصلاة والسلام-: " فيغضب رجلٌ من المسلمين؛ فيدُّقه " الضمير هنا راجعٌ إلى الصليب، أي أن
هذا المسلم يقوم بكسر هذا الصليب، وقد جاء في رواية أخرى: " فيقوم إليه رجل من المسلمين فيقتله"[18]، ثم
يرجع الروم ويبيِّتون الغدر ويجمعون للملحمة.

وهذا الجزء من الحديث يدلك على أمور، منها:


  • أن وصف النبي- عليه الصلاة والسلام- لهم بالإسلام يدل على أن ما قاموا به من التحالف والتعاون والقتال مع الروم ضد العدو المذكور في الحديث ليس من نواقض الإسلام، ولا من مسوِّغات الحكم بالكفروالردة، سواء قلنا بأن العدو كافر- وهو الراجح عندي-، أو قلنا باحتمال أن يكون العدو مسلمًا باغيًا معتديًا ظالمًا- كما يرى بعض أهل العلم-، وقد تقدم الكلام على هذه الفائدة من قبل.


  • أن هذا التحالف مع الروم لم يقلل من شأن عقيدة الولاء والبراء عند المسلمين، ولا من شأن الحميّة والغضب لله ولدينه؛ ولذلك ثار هذا المسلم وكسر صليبهم أو قتل من رفع الصليب- على الخلاف الوارد في رواية الحديث-.


  • أن وجود الصليب هنا ليس خافيًا، أو معلّقًا في سلسلة على صدر أحدهم، بل هو مجسّم كبير واضح- إما من خشب أو من معدن - قام هذا الصليبي برفعه، ومع ذلك لم يمنع وجود شعار الكفر هذا معهم من مشاركتهم في القتال، ولا من السير معهم بعد الانتصار والرجوع إلى المرج ذي التلول. وإذا نظرنا إلى الحروب التي يشنها الغرب في وقتنا المعاصر، فإننا نرى أنهم يحرصون- أشد الحرص- على عدم إظهار حروبهم بأنها دينية، بل يحاولون أن يصبغوها بصبغة اقتصادية- أو هكذا يُصوّر للناس-، ويبررونها بمبررات تدور حول حماية حقوق الإنسان، والدفاع عن الحرية والديموقراطية، وحماية حقوق الجاليات، وإلى غيرذلك مما يخدعون به السُّذّج والمغفلين من المسلمين.
وعندما أعلن جورج بوش في خطابه أنه يقود حربًا صليبية اعتذروا له عن ذلك بأنه لم يقصدها، وأنه كان مغضبًا،
ولكننا قلنا: إن الله أخرج ما في قلبه.

ولذلك فإن وقوع مثل هذه الحادثة في وقتنا الحاضر أمرٌ مُستبعَد، والحادثة إذا وقعت لا بد أن تكون ظاهرة
معلنة، يصل خبرها إلى المسلمين؛ حتى يتحقق كونها شرطًا وعلامة من علامات الساعة يترتب عليها ما بعدها، ألا
وهو الملحمة الكبرى.

        وقد ورد في بعض ألفاظ وروايات الحديث زيادة: " ويثورُ المسلمونَ إلى أسلحتِهم ، فيقتتلونَ ، فيُكرِمُ
اللهُ تلكَ العِصابةَ بالشهادةِ" وهي رواية صحيحة[19]، وهذا يدلك على أن مثل هذه الحوادث التي قد تحصل بين
جنود المتصالحين لا تكون ناقضة للهدنة والصلح الذي بينهم، ولذلك لم ينقض المسلمون الهدنة والصلح في هذا
الحديث مع الروم بعد هذه الواقعة، وإنما كان الغدر والنقض من قبل الروم؛ فالوفاء عند المسلمين دين لا يجوز
الإخلال به أو تركه. قال الله- تعالى-: { وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَىٰ سَوَاءٍ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ
الْخَائِنِينَ} [20]، فحتى لو خفت من عدوك أن يقوم بنقض العهد والصلح الذي معك، فإنه لا يجوز لك أن تباغته
بالحرب والقتال حتى تُعلمه بأن الصلح بينكما قد انتهى- طالما أنه لم يتحقق منه الغدر والنقض إلى الآن-.
وهذا ما لم تقرِّ القادةُ هذا الفعل وترضى به، ولا تنكره ولا تتبرأ منه؛ فعند ذلك يختلف الحكم، والحديث هنا
محمول على أن قادتهم لم يرضوا بذلك، والله أعلم.

وإذا كان مثل هذه الحوادث التي تقع بدون رضا القادة لا تنقض الصلح أو الهدنة بين مسلم وكافر، فكيف إذا كان
الصلح بين جماعتين من المسلمين، ووقع بين بعض أفراد الجماعتين شيء من الشجار والقتال؟ إن هذا أولى
وأحرى ألا يؤدي هذا إلى نقض ما بينهما من هدنة وصلح، والمسلم ليس له إلا الظاهر؛ فإذا أعلن قائد الجماعة
إنكاره وعدم رضاه بما حدث، وأن هذا لم يصدر بأمر منه، فعلينا أن نقبل قوله، ولا نرجم بالغيب ونتهم النوايا ثم
ننقض الهدنة والصلح، ونقع في الغدر؛ فهذا ما لا يرضاه الله ، ولا رسوله- صلى الله عليه وسلم-، ولا المؤمنون.

وإنما ذكرت هذا؛ لأنه قد يقع شيء من ذلك في ساحات الجهاد بين الجماعات المقاتِلة ، وذكر مثل هذا من شأنه أن
يبصِّر المجاهد المسلم بأحكام هذه التصرفات التي تنشأ عنها حوادث قتل؛ حتى لا يتسرع في نقض العهد والميثاق
وما بينه وبين الأطراف الأخرى من هدنة وصلح، ولأنه إن فعل ذلك فقد وقع في الغدر الذي حرمه الله ورسوله-
صلى الله عليه وسلم-، وهذا من المعاصي والذنوب التي لا يُستَنزَل النصر من عند الله بالوقوع فيها- نسأل الله
السلامة والعافية-.










[1] ج14،  ص 216، حديث رقم: ( 38451 ).، وقد تقدم .
[2] سنن ابن ماجة، ص 680 حديث رقم: ( 4089 ).
[3] عقد الدرر ، ج1، ص261- 262، حديث رقم: ( 304 ) ، وانظر كتاب الفتن لنعيم بن حماد، ج1، ص417- 418.
[4] الشيخ حمود التويجري في كتابه إتحاف الجماعة، ج1، ص9.
[5] مقال: الغزو العراقي جريمة عظيمة، كتاب: مجموع فتاوى ومقالات متنوعة للشيخ عبد العزيز بن باز، المجلد السادس، ص185-186، وقد نُشرت المقالة في مجلة الدعوة ، العدد ( 1255 ) بتاريخ: 10/ 2/ 1411هـ.
[6] المغني لابن قدامة، ج2، ص 2165.
[7] الذخيرة ج 12 ص 9.
[8] روضة الطالبين ، ج 10، ص 60.
[9] المغني، ج2،  ص 2163.
[10] المحلى، ج 11، ص 112-113.
[11] المبسوط، ج10، ص 134.
[12] انظر ما كتبه الأخ الشيخ محمد الرميح في مقال بعنوان: " هل الاستعانة بالكافر على المسلم الباغي ردة؟ "، المقال على الرابط: https://twitter.com/mohdromih/status/462290291517820928 ، وقد أفدت منه.
[13] قال في عون المعبود ، ص 1846 في شرح الحدريث رقم ( 4292 ):  " ( وتسلمون) : من السلامة، أي تسلمون من القتل والجرح في القتال".اهـ.
[14] انظر- على سبيل المثال- ما ذكره أمين محمد جمال الدين في كتابه: " عمر أمة الإسلام وقرب خروج المهدي- عليه السلام-".
[15] عون المعبود، ص 1846، في شرح الحديث ( 4292 )
[16] المصدر نفسه.
[17] انظر: الحرب السابعة، منصور عبد الحكيم، فصل:- التجمع على أرض لبنان عند ( مرج ذي تلول ) وقد حدث، وكذلك : المهدي المنتظر على الأبواب لمحمد عيسى داود، ص171 تحت عنوان: المهدي ومعركة التل ذي المروج: ماذا يحدث في لبنان؟
[18] تقدّم ذكرها في أول الكلام عند ذكر الحديث من كتاب كنز العمال للمتقي الهندي.
[19] صحيح سنن أبي داود، ج3، ص24 ، حديث رقم: 4293.
[20] الأنفال، آية 58.

Leave a Reply

Subscribe to Posts | Subscribe to Comments

- Copyright © مجالي البوق - Skyblue - Powered by Blogger - Designed by Johanes Djogan -