Posted by : مجالي البوق الأربعاء، 21 سبتمبر 2016

 

- أُمُّ القُرَى وَ ظُهُورُ المَهْدِيّ -

إن النصوص والآثار الصحيحة تكشف بوضوحٍ عن أنّ مكان ظهور المهدي وخروجه هو مكة ( أم القرى)
كما في الأثر الذي رواه محمدُ بن الحنفية، قال: كُنَّا عندَ عليٍّ – رضي الله عنه - فسألَهُ رجلٌ عنْ المَهْدي فقالَ عليٌّ
– رضي الله عنه -:
"هَيْهَاتَ". ثُمَّ عقدَ بيدهِ سَبْعًا فقال: "ذاكَ يَخْرُجُ فِي آخِرِ الزَّمانِ إذَا قَالَ الرَّجلُ اللَه, اللَه, قُتِل, فَيَجْمَعُ اللهُ
 - تَعَالى - لَهُ قَومًا قَزْعٌ كَقَزْع السَّحَابِ يُؤَلِّفُ اللهُ بينَ قُلوبِهم, لا يَسْتَوحِشُون إلى أَحَدٍ ولا يَفْرَحُونَ بِأَحَدٍ
يَدْخُلُ فيهم, عَلَى عِدَّة أصحَابِ بدْر, لَمْ يَسْبِقْهُم الأوَّلُونَ ولاَ يُدْرِكُهُم الآخِرُوْنَ وعلى أصحَابِ طَالُوتَ الّذينَ
جَازُوْا مَعَهُ النَّهْر.
قال أبو الطفيل: قال ابنُ الحنفية: أتُريدُه؟ قلتُ: نعمْ.
قالَ: إنّهُ يخْرُجُ من بينِ هذين الخشبتين - أو قال: هذين الأخشبين -. قلت: لا جَرَمَ والله, لا أريمهما حتى
أموت. فمات بها. يعني مكّة - حرسها الله تعالى -"[1].









وهذا الأثر وإن كان موقوفًا على علي- رضي الله عنه- إلا أنه في حكم المرفوع إلى النبي- عليه الصلاة
والسلام- ؛ لأنه من أمور الغيب، وجواب محمد بن الحنفية - وهو ابن علي بن أبي طالب رضي لله عنه - على
أبي الطفيل يدل بوضوحٍ على أن مكان الظهور والخروج هو مكّة, وأما ما ورد من أن المهدي من أهل
المدينة[2] فيُحمَل على أنه في الأصل من أهل مكة ، وربما يتأهل بالمدينة -أي يكون له أهلٌ ( زوجةٌ ) بها-.

وأما ما ورد في الأثر عن عبدِ اللهِ بن عَمْرو بن العاص - رضي الله عنهما - من قوله: " يا أهْلَ الكُوفَةِ، أنْتُمْ
أسْعَدُ النَّاسِ بِالمَهْديّ"[3] فهذا - مع كونه موقوفًا على عبدِ الله بن عَمْرو - ليس صريحًا في أن المهدي يخرج
من الكوفة؛ وإنما يدل بِمَنْطوقِه على أنهم أسعد النّاس به؛ وذلك - والله أعلم - لأنّهُ قد يكون وقع ونزل بهم
من الظلم والشدة ما لا سبيل إلى رفعه إلا بخروج المهدي الذي سيشملهم بعدله[4].

وما ورد كذلك في بعض ألفاظ أحاديث الرايات السود من أنه يقدُم معهم ويكون فيهم فإن هذه الزيادة
"فإن فيها خليفة الله المهديّ" قد حكم عليها بعض أهل العلم بأنها شاذةٌ ولا تصح[5], هذا من وجه, ومن
وجهٍ آخر أنّ في رواية ثَوبان - رضي الله عنه -  للحديث أنّهُ قال: قال رسول الله - صلّى الله عليه وسلَّم -:
"يَقْتَتِل عِنْدَ كَنْزِكُم ثَلاثَةٌ كُلُّهُم ابنْ خَلِيْفَةٍ, ثُمَّ لا يصيرُ إلى وَاحِدٍ منْهُم ثُمَّ تَطْلُع الرَّاياتُ السُّودُ مِنْ قِبَلِ
المَشْرِقِ فَيَقْتُلُونَكُم قَتْلًا لمْ يُقْتَلهُ قَوْمٌ" ثُمَّ ذكرَ شيئًا لا أحْفظهُ, فقال: " فَإذَا سَمِعْتُم به فَأتُوهُ فَبَايِعُوه وَلَو
 حَبْوًا عَلَى الثَّلْجِ فَإنَّه خَلِيْفةُ اللهِ المَهْدي"[6].
وهذهِ الرِّواية المحفوظة عند أكثرِ العلماءِ الذين أخرجوا هذا الحديثَ في كُتبهم, يّذكُرون فيها هذه العبارة
[ثُم ذَكر شيئًا], وأمّا الذينَ لمْ يذْكروها فقدْ ذَكروا الحديثَ مُختصرًا.
وهذه  العبارةُ تُفيد أنَّ هناكَ شيئًا من الحديث قد نسيهُ ثوبان – رضي اللهُ عنه -, وبالتالي فإنَّ قوله: " فَإذَا
سَمِعْتُم به فَأتُوهُ فَبَايِعُوه" ليسَ صريحًا في أنّهُ قدم معهم من قبلِ المشرق, بلْ يحتمل أن يُسْمَعَ بهِ أو يُرى في
مكان آخر[7].
وهيَ تعارض ما جاء في الحديث " ...يُخرجونهُ وهو كاره... "[8], ولو كان قادمًا معهم من المشرق لما احتاجوا
إلى إخراجه من بيته حال كراهتهِ لأمر البيعة والخلافة؛ فإنهم يكونون قد بايعوا له أصلًا وهم في خراسان
 قبل أن يقدُموا به[9].
وهذا يعارض كذلك ظاهر الحديث الذي فيه أنه يُبايَع لِرَجُلٍ - المهدي - بين الركن والمقام[10], فهذا ظاهرُه
أن البيعة له تكون بمكة, ولو كانَ بُويعَ لهُ في مكان آخرٍ لما احتيجَ إلى أنْ يُبايَع لهُ بمكة.
وهو يعارض أيضًا ما وردَ في بعض ألفاظ أحاديث الرايات السود "...حتى يأتي قومٌ من أهْلِ المشْرقِ
ومعهُم راياتٌ سودٌ يسألونَ الحقَّ فلا يُعْطَونَه, فيُقاتِلونَ فينْصَرونَ, فيُعْطَونَ ما سألوا فلا يقْبَلونَهُ حتى
يدْفَعُوها إلى رجُلٍ من أهْلِ بيتي..."[11], ولو كان معهم لما احتاجوا إلى أن يدفعوها إليه - لأنه معهم أصلًا -,
 ومما يؤيد هذا ظاهرُ الحديث الذي رواه مسلم : " ...يَعُوذُ عائِذٌ بالبيتِ فَيُبْعَثُ إليهِ بعثٌ، فإذا كانوا ببيداءَ من الأرضِ

خُسِفَ بهم.. "[12] فإنَّ ظاهرَه أنَّهُ إنّما يكونُ بمكة، وإذا انضم إلى هذا الظاهر ما جاءَ عن
بعضِ السَّلفِ - من آل البيت - أنّه يخرجُ من بينِ الخشبتين[13] - أي مكة - تأكّد لك ذلك.
وهذا كله مما يؤكد أن مكان الظهور والبيعة هو أم القرى لا غير[14] ؛ ولهذا حمل البرزنجي- رحمه الله- قوله في
الحديث " فإنّ فيها خليفة الله المهدي" على أن فيها نصرة الخليفة المهدي، وقد قال ذلك جمعًا بين هذا
النص وبين النصوص الأخرى الدالة على خروجه في مكة[15]، هذا على فرض تقدير صحة هذه اللفظة، وأما
على القول بأنها شاذّة وغير صحيحة فإننا لا نحتاج إلى هذا الجمع، والله أعلم.


[1] أخرجهُ الحاكم في المستدرك ,و إسناده حسن, انظر (المهدي المنتظر) للبستوي, صفحة: 206, وصححهُ الغُماري (إبراز الوهم المكنون) ص: 108.
[2] " يكون اختلافٌ عندَ موت خليفة, فيخرجُ رجلٌ من أهلِ المدينة هاربًا إلى مكة ..." رواه أبو داود في سننه /كتاب المهدي, حديث رقم: 4286, ص: 107,    ج: 4,  وصحح ابن القيم إسناده انظر (المنار المُنيف), ص: 132.
 [3] أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف وأبو عمرو الداني  وعزاه السيوطي إلى ابن سعد أيضًا, وإسناده حسن ,انظر (المهدي المنتظر) للبستوي, الأثر رقم: 13, ص: 215.
[4] وعبد الله بن عَمْرو بن العاص - رضي الله عنهما - عُرف بالنظر في كُتب أهل الكتاب؛ فيحتمل أن يكون كلامهُ هذا من قبيل الإسرائليات.
[5] الألباني كما في (السلسلة الضعيفة) ج:1,ص:197 عند كلامه على الحديث رقم (85)، حيث قال: "لكن الحديث صحيح المعنى, دون قوله (فإنّ فيها خليفة الله المهدي)؛ فقد أخرجه ابن ماجه (ج:2-ص: 517-518) من طريق علقمة عن ابن مسعود مرفوعًا نحو رواية ثوبان الثانية. وإسناده حسن بما قبله".
[6] رواه ابن ماجه وهو حديث صحيح, انظر (المهدي المنتظر) للبستوي, حديث رقم: 7، ص: 184.
[7] ومما يدلُّ على هذا  أنَّ البيهقي أخرج هذا الحديث في دلائل النبوة من طريق عبدان بلفظ: " ثُمَّ تَجيءُ الرَّاياتُ السُّودُ فَيَقْتُلُونكم قتْلًا لمْ يُقْتَلْهُ قومٌ, ثُمَّ يجيءُ خليفةُ الله المهْدي, فإذا سَمعْتُم بهِ فأتُوهُ فبايعوهُ فإنّهُ خليفةُ الله المَهْديّ". وهذه الرِّواية تدلُّ على أنّه يجيءُ بعدهم، وليست صريحة في أنّهُ يقدُم من قِبَلِ المشرق. انظر (المهدي المنتظر) للبستوي, ص: 185, تخريج رقم: 4 للحديث رقم: 7.
[8] رواه أبو داود: "يكون اختلاف عند موت خليفة ..." انظر حاشية رقم: (16), وصحح إسناده ابن القيّم في المنار المنيف, ص: 132 فقال: "والحديث حسن, ومثله مما يجوز أن يقال فيه: صحيح", وصححه الحافظ أحمد الغماري ( إبراز الوهم المكنون), ص: 73 , وذكر ممن صححهُ الحاكم, وأبو داود, والذهبي, والمنذري.
[9] مما يُستأنسُ به في تأكيد هذا ما ذكرهُ المتقي الهندي في ( كنز العمال), حديث رقم: 39673: "...فيبعث عليه فتى من قبل المشرق يدعو إلى أهل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم -, هم أصحاب الرايات السود المستضعفون, فيعزُّهم الله وينزل عليهم النصر, فلا يقاتلهم أحدٌ إلا هزموه, ويُسيِّرُ الجيش القحطاني حتى يستخرجوا الخليفة وهو كارهٌ خائف...", وقد تقدم في الصفحة رقم: 5.
[10] حديثٌ صحيح رواه أحمد وأبو داود الطيالسي، وابن حبان والحاكم في المستدرك، وابن أبي شيبة في المصنف عنْ أبي هُريرةَ  –رضيَ اللهُ عنه -  . قال: قال رسولُ الله - صلى اللهُ عليهِ وسلّم-:"يُبايَعُ لِرَجُلٍ مَا بينَ الرُّكنِ والمَقامِ..." ، وانظر تخريجه (المهدي المنتظر) للبستوي, حديث رقم: 29, ص: 291.
[11] انظر الحديث وقد تقدم صفحة: 4, وانظر الحاشية رقم: 10.
[12] رواه مسلم من حديث أمِّ سلمة - رضي الله عنها- , انظر (صحيح مسلم), ج: 4-ص:  2209, حديث رقم:( 2882 ).
[13] كما في أثر مُحمد بن الحنفية, وقد تقدم..
[14] وإنما أسهبت في تقرير هذه المسألة وبيانها؛ لأن البعض كان يقول بأن الشيخ المجاهد ( أبو عمر محمد بن عبد الله السيف) هو المهدي! ويستدل بأحاديث الرايات السود وقدومها من المشرق وأن المهدي معها, ويُنزّلها على أبي عمر السيف, ويحلفون على ذلك مستشهدين برؤى وردت في شأنه تدل على أنه المهدي, متغافلين عما ورد في عقيدة أهل السنة والجماعة من أن المهدي من آل البيت, ولم يكن أبو عمر السيف من آل البيت, وكان - رحمه الله - يخبر عن نفسه أنه ليس منهم, وكان البعض يغلو فيه ويقول: لعله من آل البيت وهو لا يعلم!!
وكنت أقول: إن هذه الرؤى - لو صدقت ولم تكن من قبيل حديث النفس- إنما تدل على أنه رجل مهدي من المهديين فيما يقوم به من الجهاد والدعوة في أرض الشيشان، لا أنه المهدي الذي بشر بخروجه الرسول - صلى الله عليه وسلم - في آخر الزمان, فلما قتل - رحمه الله وتقبله في الشهداء - تبين صحة ما كنت أقولهُ - والحمدلله أولًا وآخِرًا -.
[15] انظر: الإشاعة لأشراط الساعة، ص207.

Leave a Reply

Subscribe to Posts | Subscribe to Comments

- Copyright © مجالي البوق - Skyblue - Powered by Blogger - Designed by Johanes Djogan -