Posted by : مجالي البوق الأربعاء، 21 سبتمبر 2016





- العِرَاقُ وَ الخِلَافَةُ الرَّاشِدَةُ -



     مما سبق يتبين أنه ليس للعراق أي دورٍ مسبقٍ في التهيئة والتمهيد لإقامة الخلافة الراشدة على يد

المهدي والبيعة له في مكة بين الركن والمقام، بل إن العراق سيكون له دورٌ في حرب الخليفة الراشد

المهدي، ومحاولة القضاء عليه وعلى حكمهِ؛ وذلك عن طريق السفياني[1] الذي يكون ظهوره وخروجه في

الشام، وتدلُّ بعض الأحاديثِ على دخوله العراق وغلبتِه عليها[2], فيبعثُ إلى المَهْديّ بجيشينِ: الأولُ

منهما يُهزم، والثاني يسيرُ بهِ السفيانيُّ بمن معهُ من الشام للإطاحة بالمهدي والقضاء عليه وعلى أنصاره,

فيتوجه الجيش من الشام قاصدًا إلى المَهْديّ لقتالهِ، وفي الطريق، وبعد المدينة، وحين يصل إلى البيداء

تحصل الكرامة الإلهية والتأييد الربّاني بآيةٍ كونيةٍ هي الخسفُ بهذا الجيش القادم من الشام كما في الحديث

الذي رواهُ الحاكم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبيّ - صلى الله عليه وسلّم - أنّهُ قال: " يخرُجُ رجلٌ يُقالُ

لهُ السفياني في عُمقِ دمشق, وعامةُ من يتْبَعُهُ من كَلْبٍ، فيَقتل حتى يبقر بطونَ النّساءِ، ويقتلُ

الصبيان, فتَجمعُ لهُ قيس, فيقْتُلها حتى لا يمنع ذَنَب تلْعَةٍ, ويخرجُ رجلٌ من أهلِ بيتي في الحرَّة[3], فيَبلغُ

السفياني, فيبعثُ إليهِ جُندًا من جُندهِ فيهزمهم, فيسير إليهِ السفياني بمن معه, حتى إذَا صارَ ببيداءَ

من الأرضِ خُسِفَ بهم فلا ينجو منْهم إلا المُخبرُ عنهم"[4].



إن ظهور السفياني في العراق يعني ظهور حكمه وقوته، وغلبته على العراق ودخوله تحت سيطرته، ويلزم من

هذا عدمُ وجودِ أي حُكمٍ منافسٍ له, ولا أي جماعةٍ لها شوكةٌ يمكن أن تقاتله أو تتغلب عليه, وإلا لما تمكن

من إرسال جيشه للقتال في الشام, ومن ثم التوجه إلى مكة لقتال المهدي, ومن هنا يتبين أن السعي

لإقامة الخلافة الراشدة انطلاقًا من العراق أمرٌ متعذرٌ لسببين:


الأول: ظهور السفياني؛ فإنه قد يقضي على أي مشروعٍ كهذا وهو لا يمكن بحالٍ أن يكون خليفةً راشدًا؛ بل
هو رجلٌ ظالم.

الثاني: دلالة النصوص على أن مَعْقِل الخلافة وأسَاسَها في مكة متمثلةً في الإمام المهدي - لا غير -.




[1] اختلف أهل العلم بالحديث في أحاديث السفياني: فَمِنْهم من ضعّفها، ومنهم من صحّحها، وممّن قال بصحّتها: الحاكم في ( المستدرك على الصحيحين) ووافقه الذهبي, ومن المُعاصرين : الشيخ حمود التويجري في كتابه ( الاحتجاج بالأثر ): ص37-39، و الدكتور عبد العزيز الحميدي في كتابه (صراع النهاية مسيح الهداية ومسيح الضلالة), حيث قال:" وقد ورد في شأن السفياني أحاديث ص: 20-21.
[2] منها الحديثُ الذي أخرجه الخطيب في (تاريخ بغداد) من حديثِ ثوبان – رضي الله عنه - عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنّه قال: "يخرجُ السفياني حتى ينزل دمشق, فيبعث جيشين: جيشًا إلى المدينة خمسةَ عشر ألفًا , ينتهبون المدينة ثلاثة أيام ولياليهن, ثم يسيرون متوجهين إلى مكة" وذكر الحديث وقال:"ثم يسير جيشه الآخر في ثلاثين ألفًا, وعليهم رجل من كلب, حتى يأتوا بغداد, فيقتلون بها ثلاث مئة كبش من ولد العباس, ويبقرون ثلاث مئة امرأة", قال ثوبان: فسمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:"وذلك بما قدمت أيديهم, وما الله بظلامِ للعبيد. فيقتلون ببغداد أكثر من خمسة مئة ألف", والحديث له شاهد لبعض ما ورد فيه وهو حديث أبي هريرة المذكور أعلاه والذي رواهُ الحاكم وصححه ووافقه الذهبي, انظر: (العراق في الأحاديث وآثار الفتن) لمشهور بن سلمان, صفحة: 509.
[3] هكذا في المطبوع في المستدرك على الصحيحين- بلفظ الحرّة -، ولكن ذكره السلمي الشافعي في عقد الدرر بلفظ: في الحرم، وعزاه إلى المُستَدرك على الصحيحين، وكذلك ذكره السّفاريني في لوامع الأنوار البهية  بلفظ " الحرم " ، وعزاه إلى نفس المصدر السابق، فأخشى أن يكون هناك خطأ في المطبوع ؛ لأن عقد الدرر ولوامع الأنوار من الكتب القديمة، والله أعلم.
[4] قال الحاكم: "هذا حديثٌ صحيحُ الإسناد على شرط الشيخين ولم يُخرَّجاه" ووافقه الذهبي: المستدرك ج: 4، ص: 520، وقد صحّحه الشيخ حمود التويجري في كتابه ( الاحتجاج بالأثر ): ص37-39، وحسنه الدكتور.عبد العزيز الحميدي في كتابه (صراع النهاية  مسيح الضلالة ومسيح الهداية), حيث قال:" وقد ورد في شأن السفياني أحاديث كثيرة إلّا أنه لا يكاد يصح منها شيء, اللهم إلّا حديثًا واحدًا يدخل تحت رتبة الحديث الحسن على أقل تقدير" ص: 20-21، وقد فصلت الكلام على هذا الحديث في رسالة لي بعنوان: " الغاية في بيان أن المهدي يُؤيّد بآية"، وستُنشَر قريبًا- بإذن الله-.

Leave a Reply

Subscribe to Posts | Subscribe to Comments

- Copyright © مجالي البوق - Skyblue - Powered by Blogger - Designed by Johanes Djogan -