Posted by : مجالي البوق الأربعاء، 21 سبتمبر 2016




- البَيْعَةُ لِلمَهْدِيِّ وَ التَأْييدُ بِالخَسْفِ -



     ثم إذا أراد الله - سبحانه وتعالى - أن يُتمَّ الأمرَ لعبده المهدي جمع له ذلك العدد من الرجال حتى

 يبايعوه, ولتغليظ أمر البيعة وتوثيقها؛ فإنها تكون بين الركن والمقام، وهؤلاء الرجال جاء وصفهم في الأثر

المتقدم عن محمد بن الحنفية[1].



وكذلك وُصفوا في الحديث الذي رواه مسلم عن عائشة - رضي الله عنها - أنّ رسول الله - صلى الله عليه

وسلم - قال: "سيعوذُ بهذا البيتِ- يعني الكعبةَ -قومٌ ليسَتْ لهمْ مَنعةٌ ولا عددٌ ولا عُدةٌ، يُبعثُ إليهمْ

 جيش، حتى إذا كانوا ببيداءَ مِنَ الأرضِ خُسِفَ بِهم"[2], ويُحتمَل أن يكون لهؤلاء المبايِعين علاقةٌ

بالقحطاني والرايات السود[3], ويُحتمل أن يكونوا من غيرهم من أهل العلم والفضل ووجهاء الناس, وقد

يكونون منهم جميعًا[4].


إن القوى العالمية في الشرق والغرب تأبى وقوع هذا الحدث, وإن اجتماع الأمة على رجلٍ واحدٍ بعد تفرقها

وتمزقها لهوَ أمرٌ عظيم؛ ولذلك يأتي التأييد الإلهي بحصول آيةٍ من الآيات يؤيد الله بها مُلْك المهدي, وذلك

بالخسف بالجيش الذي يأتي من الشام قاصدًا مكةَ لقتال المهدي, فيقع الخسف في بيداء من الأرض أو في

البيداء - على اختلاف الروايات -, والبيداء هي مما يلي ميقات أهل المدينة -المعروف في هذا الوقت بأبيار

 عليّ-, وهذا الخسف بالجيش - والله أعلم - هو الخسف الذي يكون في جزيرة العرب, وهو من الآيات

التي أخبر بوقوعها النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قبل قيام الساعة وذلك في قوله - عليه الصلاة والسلام -:

"إنَّ السّاعة لا تكون حتى تكونَ عشْرُ آيات؛ خسفٌ بالمشرق وخسفٌ بالْمَغْرِبِ وخسفٌ بجزيرةِ

العرب... "[5].



وهذا يعني أنّه يتزامن مع خروج المهدي مثل هذه الآيات - أعني الخسوفات الثلاثة -[6]، وقد نشْهَدُ في

العالمِ شرقهِ وغربهِ- بسببِ هذه الخسوفات العظيمة- تغيّرات في تكوين الأرض وما عليها من القارات,

وحصول تغيرات في جُغرافية بعض الدول في تلك الجهات هو مما قد يُسهم في إعادة توازن القوى في

العالم[7].



 وإذا حصل هذا الخسف بالجيش، عرف النّاس أنّ هذا هو المهدي؛ فيأتيه الناس - من كل حدبٍ

وصوبٍ - يبايعونه -, وفي حديث أبي داود: " فإذا رأى النّاسُ ذلك أتاهُ أبدالُ أهل الشّامِ وعصائبُ أهل

العراق فيُبايعونهُ"، وهؤلاء قد يكونون من المجاهدين أو من غيرهم من أهل العلم والفضل والوجهاء من

الناس.

ويظهر هنا دورٌ للعراق في أمر الخلافة, إلّا أنه دورٌ لاحقٌ جاء بعد الخسف ووضوح الأمر لجميع

النّاس.

وكلامُنا - فيما سبق - كان في المرحلة التي تسبق خروج المهدي: مرحلة التهيئة والتوطئة والتمهيد لعقد البيعة

وتسليم الراية.


إن أمر المهدي لن يكون ظاهرًا لكل الناس قبلَ حصول التأييد بالخسف؛ ولذلك كان من يبايعه بين

الركن والمقام قليلٌ عددهم, وهُمُ المعنيونَ في الحديث الذي رواهُ مسلم، وهذا هو وجه المخاطرة والمغامرة,

ولو كان أمر المهدي ظاهرًا لكل النّاس لكان عدد الذين يبايعونه كثيرًا وبالآلاف, وهذا أمرٌ واضحٌ جليٌّ لا يخفى.



ولو كان هناك خليفة راشد قبله لسارعَ إلى بيعتهِ ولكان المبايعون له الأمة كلها أو أكثرها! ولكنَّ ظروف البيعةِ لهُ على الوجه

الذي ذكَرتْه الأحاديث يمتنع معها وجود خليفة يسبقه[8].




[1] انظر حاشية رقم: 15.
[2] رواه مسلم في صحيحه، (كتاب الفتن وأشراط الساعة/ باب الخسف بالجيش الذي يؤم البيت) ج:4, حديث رقم: 2883, ص: 2210، وهو ظاهر في أنه ليس بينهم خليفة له شوكة ومنعة وعدد وعدة.
[3] كما يُفيدهُ أثر علي –رضي الله عنه- : ".يستخرجون الخليفة وهو كارهٌ خائف.." .
[4] لقوله في حديث مسلم المتقدم: "ليست لهم منعة ولا عدد ولا عدّة"؛ فهذا يشعر بأنهم ليسوا من المجاهدين, وإن كانوا منهم فهم قلّة وسلاحهم قليلٌ لا تحصل به المنَعة.
[5] رواه مسلم من حديث حذيفة بن أُسيد - رضي الله عنه -, برقم: 2901، انظر: صحيح مسلم  ج: 4، ص: 2225.
[6] وقد فصّلتُ القول في أن المهدي يُؤَيّد بالخسف في رسالتي: " الغاية في بيان أن المهدي يُؤيّد بآية "، وستُنشَر قريبًا- بإذن الله-.
[7] هذا إذا قلنا بأن الخسفَ بالجيش هو المعني بالخسف في جزيرة العرب ضمن هذه الخسوفات الثلاثة الكبرى, وهو الظاهرُ لي من الدراسة حتى الآن.
[8] وهذا يؤكد ما قررناه سابقًا في مقدمة هذا البيان من عدم وجود خليفة يسبق المهدي.

Leave a Reply

Subscribe to Posts | Subscribe to Comments

- Copyright © مجالي البوق - Skyblue - Powered by Blogger - Designed by Johanes Djogan -