Posted by : مجالي البوق الأربعاء، 21 سبتمبر 2016










- الدَّوْلَةُ الإِسْلامِيَّةُ فِي العِرَاقِ وَالشَّامِ: هل هي بَاقِيَةٌ تتَمَدَّدَ؟ -







تأسست الدولةُ الإسلاميةُ في العراق في عام ١٤٢٧هـ،  وكان أميرها ( أبو عُمَرْ الَبَغْدَادِي ) الذي قُـتل فيما

بعد - رحمه الله -، فخَلَفَهُ أبو بكرٍ البغدادي, ثم لما حدثت الثورة السورية دخلت الدولة الإسلامية إلى

الشام، وأصبح لها وجودٌ في أرضه, وتم إعلانُ الدولة الإسلامية في العراق والشام- والتي تُعرَف اختصارًا

 عند البعض باسم (داعش)-, اتخذ أتباعُ الدولة وأنصارها شعار [ باقية تتمدد ]، وهو شعارٌ يُحرِّكُ

العواطفَ، ويُلهِبُ حماسَ الشباب الأتباعِ والمناصرينَ، المُتطلِّعين إلى ذلكَ الأملِ المنشود والحُلم الكبير:

ألا وهو عودةُ الخلافة الراشدة، وإقامة حُكمِها.


والسؤالُ الذي يطرحُ نفسهُ هُنا:

 هَل الدولةُ الإسلاميةُ في العراقِ والشامِ باقيةٌ تتمددَّ فِعْلًا أمْ لا؟ 

وهل يُغيِّرُ إعلانها الخلافة وتنصيبُها أبا بكرٍ البغدادي خليفةً في غُرَّةِ رمضان 1435هـ شيئًا في

 هذا الأمر؟

إنه بالنظرِ إلى العرضِ الذي قدّمناه فيما يتعلق بأمر الخلافةِ والمهديِّ ، فإنه يمكن استخلاص النتائجَ

 التالية في تقرير الجواب عن هذا السؤال: 






أولًا: ليسَ هُناك خليفةٌ راشدٌ وإمامٌ عامٌ للمسلمينَ تَنْعَقِدُ لهُ البيعة يسبقُ المَهْدِيّ, وإنْ قُدِّرَ أنْ يحصل

ذلك، فستكون تلك خلافة ليست راشدة، ولا على مِنهاج النبوة، ولن تعدوَ أن تكونَ صورةً من صورِ

المُلك الجبري- حتى وإنْ أُلبسَت لباسَ الخلافة-.



ثانيًا: ليس هُناك مكانٌ يَتم فيهِ تأسيسُ الخلافةِ وعَقْدُ البيعةِ للإمامِ غيرُ مَكَّةَ - شرّفها الله -.




ومن هاتينِ النتيجتينِ نُدركُ أنَّهُ ليس هناك خليفةٌ ولا خلافةٌ تقومُ في غيرِ مكةَ - لا في العراقِ ولا

في الشامِ ولا في غيرهما -. نعم يمكن أنْ تقومَ إماراتٌ تسعى لتطبيقِ الشريعةِ، ولكنها لا يُمكن أن تصلَ

إلى حد أن  تكون دولةَ الخِلافة.


والقول بوجود خلافةٍ جزئيةٍ قبل المهدي قولٌ لا تدل عليه النصوص والآثار النبوية في هذا الخصوص؛

وإنما هي إمارةٌ أو إماراتٌ إسلاميةٌ، لا يصح إطلاق وصف الخلافة عليها؛ لانتفاء ذلك شرعًا وواقعًا، وقد

يلزم من هذا القول وجود أكثر من خلافةٍ جزئيةٍ في الواقع، وهو محالٌ، باعتبار ما دل عليه الحديث من

عودة الخلافة المتصفة بكونها على منهاج النبوة، لا باعتبار ما حصل في مراحل الحكم في التاريخ الإسلامي،

فتلك وصفها الحديث بالمُلك العضود والمُلك الجبري، وقد تقدم بيان هذا فيما سبق.



وليسَ من الرشد في شيءٍ أنْ تكون هناك أكثر من خلافة جزئية وأكثر من إمام وتوصف كُلها بأنّها

 راشدة وعلى منهاج النبوة, فلم تكن الخلافة الراشدة في يومٍ من الأيام يتعددُ فيها الأئمة والخلفاء ! حتى لمّا

حصلت الفتنة بينَ عليٍّ ومعاوية -رضي الله عنهما- كان عليٌّ- رضي الله عنه- هوَ الخليفةُ فقط.




 ثالثًا: أن السفياني يَغلبُ على العراقِ ويكونُ حُكمه هو الظاهرُ فيها - وذلكَ قبلَ خُروجِ المهدي -، ولهُ

جيوشٌ يبعثُ بها إلى خارجِ العراق.


ومن هذه النتيجة نُدرك أن بقاء الدولة- حتى بعد إعلانها الخلافة- سينتهي بظهُورِ السفياني وغلبتهِ

على العراق - إنْ قُدّرَ لها أنْ تبقى حتى وقتِ ظُهوره -. 




رابعًا: أن الرايات السود القادمة من المشرقِ من خُراسان سيكونُ لها أثرٌ كبيرٌ في نُصرةِ المهدي والبيعةِ

لهُ ودفعِ الرايةِ إليه.

ولو كان للدولة وجودٌ في العراق؛ لكانت هي أقرب من الذين في خُراسان، ولخرجت الراياتُ السودُ - إن

كانت الدولةُ تمثُّلها - من العراقِ لنصرةِ المهدي وبيعتهِ، ودفعِ الرايةِ إليهِ؛ حتى تُسهمَ في نشأة وتكوين

الخلافة.



خامسًا: بعد تأييد مُلْكِ المهدي بالخسفِ بالجيشِ القادمِ من الشام يأتيهِ أبدالُ أهل الشامِ وعصائبُ

أهلِ العراق ليبايعوه.

و لو كانَ للدولةِ وجودٌ في الشامِ؛ لحالتْ دونَ انطلاقِ هذا الجيشِ الظالمِ لقتالِ المهدي في مكة. ومن هنا

نُدرك أنَّ عصائبَ أهلِ العراقِ وأبدالَ أهلِ الشامِ لا يُشكِّلون أو يُمثلون دولة؛ بل قد يكونون من عامّةِ

 الناسِ، أو من أهلِ العلم والفضل والصلاح فيهم، أو من المجاهدين ولكنهم ليسوا تحت رايةٍ واحدةٍ - على

 الأقل في العراق -؛ لأن لفظ "عصائب" من ألفاظِ الجمع, ولو كانوا يمثلون دولةً وكانوا تحت رايةٍ واحدةٍ

لكانَ الخبرُ عنهم بلفظ الإفرادِ لا الجمع.





من هذه النتائج الخمس يتبين- بوضوحٍ وجلاءٍ- الجوابُ عن السؤال السابق، فنقول- بناءً على ما تقرّر- :



إنه ليس هناك بقاءٌ ولا تمددٌ للدولة الإسلامية - لا في العراق ولا في الشام -!




وأمَّا الحديثُ الذي رواهُ أبو داود وأحمد عن عبدِ اللهِ بن حَوالَة - رضي الله عنه - عن النبيّ - عليه الصلاة

والسلام- أنهُ قال: " سيصيرُ الأمْرُ إلى أنْ تَكونَ جُنودٌ مُجنَّدةٌ: جُندٌ بالشَّام, وجُندٌ بالْيَمنِ, وجُندُ

بالْعِراقِ"، فقالَ ابنُ حَوالَة: خِرْ لي يا رَسولَ اللهِ إنْ أدْرَكْتُ ذاك. قالَ: "عليْكَ بالشَّامِ؛ فإنَّهُ خِيَرَةُ اللهِ منْ

أرضهِ, يجتبي إليهِ خِيرَتَهُ مِن عباده, فإنْ أبَيْتُمْ فعليْكُم بيَمنِكُم, واسْقُوا مِنْ غُدُرِكُم, فإنَّ اللهَ - عَزَّ وّجلَّ - قَدْ

تَوَكَّلَ لِي بالشَّامِ وَأَهْلِه"[1].

فهذا الحديثُ يدلُّ على افتراقِ النَّاس إلىَ هذهِ الفِرق الثلاثة: جندٌ في الشَّام, وجندٌ في اليمن, وجندٌ

 في العراق، وهو ظاهرٌ في اختصاصِ كُلِّ جندٍ بالأرض التي هو فيها, ولا يدل على أنَّ هناك دولةً لها

وجودٌ في العراق والشام معًا !





وحتى يتضح ذلك نقول:

لو قدَّرنا وجود دولةٍ في العراق والشام، وأراد أحد الجُند أن يَقْصِد إلى الجُزء المختص بالدولة في الشام؛ حتى

يمتثل للتوجيه النبوي باللحوق بجندِ الشام, ثم طلب منه أمير الدولة أن يذهب إلى العراق ويبقى فيها- لأي

 سببٍ أو مصلحةٍ-؛ فإنّهُ يلزمه طاعة الأمير والذهاب إلى العراق والبقاء فيها, وبذلك لن يتحقق له ما

أراده من اللحوق بجند الشام, بخلاف ما لو قدَّرنا وجود إمارةٍ مستقلةٍ في الشام وأراد هذا الجندي اللحوق

بهؤلاء الجند في الشام؛ فهنا لن يعكر عليه شيءٌ ويحول دون امتثاله توجيه النبي - صلى الله عليه وسلم -

بالبقاء مع جند الشام, وحتى لو كُلِّف بالقيام بعملٍ خارج الشام، فإنَّهُ بعد الفراغ منه سيعود إليها، وبهذا

يُعتبَر باقيًا على حكم لحوقه بجند الشام، مستمِرًّا في الانتساب إليه.




وإذا اتضح هذا، ظهر أن جميع الجند في أي بلدٍ يخضع لدولة العراق إنما ينتسبون إلى جند أرضها؛ فهي

 تبقى أرض التأسيس- مهما تمدّدت رقعتها-، والعاصمة حتمًا تكون فيها ؛ ولذا فإنه لا يُحكَم لجنديٍّ لها

بالشام بأنه من جند الشام؛ بل هو في هذه الحالة تابعٌ لجند العراق، فتنبّهْ لهذا.




وباختصار : فليس في التقسيم النبوي قِسمٌ يمثل جندًا في العراق والشام في آنٍ واحد، وليس في التوجيه النبوي


توجيهٌ باللُّحوق بجندٍ في العراق والشام في آنٍ واحد، وإنما هو: إما جندٌ في العراق، وإما جندٌ في الشام، والتوجيه للُّحوق


بالجند في الشام.


ومن هذا يتبين أن وصف التمدد الموجود في شعار الدولة ليس صحيحًا؛ فلن يكون هناك تمددٌ بدلالة

 هذا الحديث، وبقي أن يُقال: إن الحديث لا يمنع من وجود دولةٍ في العراق؛ لأنها قد تكون هي جند العراق.

 فنقول: نعم، وهي في هذه الحال مجرد إمارة، وأما أن تنهض وتقوم بأعباء مشروع الأمة الكبير (عودة

الخلافة) فهيهات؛ وإنما يُنتَظَر دورها إذا ظهر المهدي، وأيده الله بالخسف بالجيش، فعندها تذهب لتبايع له

- إن كانت هي المعنية بجند العراق أو عصائب أهل العراق -، وأما قبل ذلك، فلا دور لها في التوطئة

والتمكين للخلافة والخليفة المهدي - إن قُدّر لها البقاء حتى ذلك الوقت -، غير أن أحاديث السفياني وما

دلّت عليه من الظهور والتغلُّب على العراق وغيره كافيةٌ في إثبات نهاية الدولة كإمارةٍ[2] - لو قُدِّر لها بقاءٌ

حتى يظهر السفياني -.




ولا يخفى ما في الحديث من توجيهٍ للجندي المجاهد في أن يلحق بالجند في الشام، وإن لم يمكنه ذلك

فيلحق بالجند في اليمن، ولم يذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - العراق كبديلٍ آخر بعد اليمن وإنما سكت

عنه، وفي هذا من التحذير ما لا يخفى.




ومن استقرأ التاريخ وما وقع في الماضي والحاضر من فتنٍ في العراق؛ يُدْرك سرَّ هذا التوجيه النبوي في

 اللحوق بجند الشام أو بجند اليمن والسكوت عن جند العراق[3].

أقولُ هذا؛ حتى لا نغرقَ في التفاؤل، وحتى لا نُصابَ باليأسِ والإحباطِ إذا انْحسرتِ الدولةُ، وانْكمشت

وزالَ وجُودها واختفى اسمها, ولله في ذلكَ الحكمةُ البالغةُ وهو - سبحانهُ - أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالتَه.



أما أسباب ذلك، فهي كما قال الله - سبحانه وتعالى -:

{ أَوَلَمَّآ أَصَٰبَتۡكُم مُّصِيبَةٞ قَدۡ أَصَبۡتُم مِّثۡلَيۡهَا قُلۡتُمۡ أَنَّىٰ هَٰذَاۖ قُلۡ هُوَ مِنۡ عِندِ

أَنفُسِكُمۡۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ }[4].







هذا من حيث دلالات النصوص والاستنباط منها, وأمّا من حيث دلالات الرؤى فهو ما سأتحدثُ عنه في المبحث الآتي.







[1] أخرجه الحاكم (ج4، ص51 )، وأحمد (ج5، ص33) ، وابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق (ج1,ص47-56). وقال الحاكم :" صحيح الإسناد" ووافقهُ الذهبي.  وقد حكم الألباني بصحتهِ في صحيح سنن أبي داود , وفي صحيح الجامع الصغير, وتخريج المشكاة, وحسّنه الوادعي في صحيح دلائل النبوة, وابن حجر في تخريج المشكاة, وقال المنذري في الترغيب والترهيب: رجاله ثقات, وكذا الهيثمي في مجمع الزوائد. وانظر (تخريج أحاديث فضائل الشام ودمشق) للألباني ,ص:10.
[2] وهذا هو المقصود تقريره في هذا البيان: أنَّها لن تبقى بوصف الخلافة أو بوصف الإمارة، وأما بقاؤها كجماعة أو فصيل جهادي فهذا ممكن, وقد تكون عند ذلك هي المعنية بوصف عصائب أهل العراق، وتكون هيَ أحد هذه العصائب بالإضافة إلى غيرها من الجماعات الجهادية, وهذا نقوله على سبيل الاحتمال- إن قُدِّر بقاؤها بعد ظهور السفياني، أو غلبة حكم البعث على العراق- كما سيأتي, والله أعلم.
[3] اقرأ في هذا الخصوص كتاب (العراق في أحاديث وآثار الفتن) لمشهور بن حسن آل سلمان.
[4] سورة آل عمران, آية: 165.

{ 1 التعليقات... read them below or add one }

- Copyright © مجالي البوق - Skyblue - Powered by Blogger - Designed by Johanes Djogan -