Posted by : مجالي البوق الخميس، 22 سبتمبر 2016



- المَوقِفُ الشّرعِيُّ مِن التّحَالُف -



إنني أجد أنه من المناسب طالما تطرقت لذكر أمريكا وتدخلها في سوريا أن أتكلم عن هذا التحالف من
منظورٍ شرعي، فأقول:

إننا - مهما اختلفنا مع البغدادي وجماعته- لا نُكفِّرُهم، ولا نحكم بردّتهم. ومع كوننا نرى مشروعية قتاله
وجماعته- لأمور وأسباب سيأتي ذكرها- إلا أنَّنا نقول: إن الذي يقوم بمهمة قتالهم هم أهل الإسلام
أنفسهم، وعلى رأسهم أهل الجهاد؛ فإنَّ الله إنما خاطب المؤمنين في قوله: { وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا }[1]،

ولم يخاطب الكفار المسالمين- فضلاً عن الكفار الحربيين-؛ ولذلك فإننا نرى أنَّ هذا التحالف
الذي تقوده أمريكا ضد الجهاد والمجاهدين – وليس فقط ضد البغدادي وجماعة دولته - أنه لا يجوز لمسلم
مجاهد أو غير مجاهد فردًا كان أو جماعة أو حكومة أن يشارك فيه ويتعاون معهم على قتال المسلمين-
وإن كانوا خوارج أو بغاة أو قطاع طريق-؛ فإن المسلم أفضل عند الله من عباد العجل والصليب، وإنَّ
هذا الفعل لهوَ من عظائم الأمور ومن الموبقات التي قد توبق دين المرء وعمله.

وأما من قال بأن هذا من باب الاستعانة بالمشرك على قتال المسلم الباغي, فهذا القول مغالطة،
والقائل به قد ضلل المسلمين ولبس عليهم دينهم، ولم يعرف الفرق بين الإعانة والاستعانة, وأن
 من أجاز الاستعانة بالمشرك على قتال المسلم الباغي من أهل العلم إنما أجازه بشرط أن تكون القوة
والغلبة والهيمنة للمسلمين عند استعانتهم بالمشركين على قتال البغاة من المسلمين, وهذا شرط مفقود في
هذا التحالف الحاصل؛ فإنَّ القيادة لأمريكا والغرب, والقوة والهيمنة لهم لا لغيرهم من الدول العربية
المشاركة, هذا إن قُلنا إن الصورة الماثلة لهذا التحالف هي من باب الاستعانة بالكفار على قتال المسلمين
البُغاة، ولكن الأمر ليس كذلك؛ فلو سألت أي مسلم عن هذا التحالف: هل هذه الدول العربية المشاركة
هي التي استعانت بأمريكا والغرب في هذه الحملة؟ أم أنَّ أمريكا هي التي طلبت وسعت حتى تشارك هذه
 الدول العربية في الحملة التي تقودها؟ وحتى تضفي عليها الشرعية, وتبعدها عن وصفها بأنَّها حملة صليبية
تستهدف الإسلام والمسلمين؟!
لأجابك بكل وضوحٍ وصراحةٍ: إنَّ أمريكا هي المُستعينة طالبة العون والتأييد والتمويل, والدُّول العربية
ليست إلا مُشاركة وممولة ومعينة لها على ما تريده!

فالصورة إذًا واضحة, وجليةٌ لا خفاء فيها, والقول فيها إنما يتنزل على حكم الإعانة للمشركين وليس على
حكم الاستعانة بهم، وفرق بينهما؛ فإن الأولى مما يهدم أساس الدين وأصله وأما الثانية، فهي مسألة
خلافية من مسائل الفروع وليست مناطاً للحكم بالتكفير أو الردة.

ومن نظر إلى هذا التحالف ونشأته، وأنه بدأ بعشر دول، ثم تتابعت الدول في الانضمام إليه- غربية كانت

أو عربية- علم أن مثل هذه الصورة لا يمكن أن يُفتِي فيها عالم على أساس أنها استعانة بالكفار على قتال

مسلمين بغاة، بل التصوير الصحيح لها، والنظر الصحيح إليها ينبغي أن يكون على أساس حكم إعانة

الكفار في قتالهم للمسلمين، وهي مسألة حكمها واضحٌ لا يخفى، وقد اعتبرها الشيخ محمد بن

عبد الوهاب- رحمه الله- ناقضًا من نواقض الإسلام، حيث قال في الناقض الثامن: " مظاهرة المشركين

ومعاونتهم على المسلمين، والدليل قوله- تعالى-: " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى

أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين " [2].

ومن قال بأن هذا التحالف يشبه تحالف النبي- صلى الله عليه وسلم-  الذي كان بينه وبين قبائل
المشركين- كخُزاعة وغيرها- حينما عقد صُلح الحديبية مع مشركي قريش، فهذا أيضًا قد أبعد النجعة، ولم
يُصب؛ لأن ذلك التحالف كان الذي يقوده هو محمدٌ- صلى الله عليه وسلم-  وأصحابه، وكانت الغلبة
والراية فيه للمسلمين، وكان الكُفّار إنما هم منقادون معاونون، وهذه صورة لا يمكن تطبيقها- أبدًا- على
 هذا الواقع الذي تقوده أمريكا في هذا التحالف!!

لا بُدّ أن نُبيِّن دين الله- سبحانه وتعالى - للناس، وحكمه في مثل هذه المسائل؛ لأن هذا ميثاقٌ أخذه الله

- سبحانه وتعالى- على أهل العلم، وكتمانه فيه من الخسارة في الدنيا والآخرة ما نعوذ بالله منه، ولا حول

ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.





[1] سورة الحجرات، آية (9).
[2] سورة المائدة، آية: ( 51 ). وانظر: التبيان ( شرح نواقض الإسلام )، ص59 ، وهذا الذي ذكرته إنما هو بيانٌ للحكم في أصله- دون نظر إلى ما يتعلق بشروط وموانع التكفير-، فهذه مسألة أخرى.

Leave a Reply

Subscribe to Posts | Subscribe to Comments

- Copyright © مجالي البوق - Skyblue - Powered by Blogger - Designed by Johanes Djogan -